قال الوزير السابق لحقوق الإنسان في المغرب محمد أوجار في الندوة التي أقامها معهد التنمية السياسية عن المعارضة السياسية في فندق إليت جراند بضاحية السيف أمس إنه على قوى المعارضة أن تنتهج العمل السلمي وأن تقر الثوابت الوطنية وتعمل على تثبيتها، مؤكدا أنها إذا ما التزمت بذلك فسيأتي اليوم الذي تتسلم فيه إدارة شئون الحكم، مستشهدا بالتجربة المغربية التي استطاع أحد المعارضين الوصول إلى منصب الوزير الأول ( رئيس الوزراء) لما أظهره من حس وطني ونضال سلمي.
وذكر أوجار في بداية حديثه أن القرن الحالي جاء حافلا على المستوى السياسي والفكري بالانتصار الكاسح لأميركا وانهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين وتحول معظم المعسكر الشرقي للمعسكر الآخر، وبالتالي الاتجاه نحو الديمقراطية.
وأضاف، الديمقراطية تقتضي وجود دستور ينظم العلاقات ومن تتبع هذه العلاقات وما مكوناتها؟، وتفترض دستورا يحدد اختصاصات كل مؤسسة من المؤسسات التي تنظم دستوريا آليات التعاطي بين مختلف هذه المؤسسات بما يكرس الحريات وينظم التنافس الديمقراطي على الحكم على اعتبار أن السيادة للشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة تتنافس فيها مجمل القوى السياسية.
وأردف: «إجمالا الانتخابات هي ذروة التنافس الديمقراطي بصورة شرعية بتحصيل ثقة الناخبين على الحكم، وبشكل تنسيقي وعلى رغم اختلاف الانتماءات الحزبية، ينقسم المتنافسون على العملية الديمقراطية إلى نوعين: فريق السلطة وفريق المعارضة، والمعارضة قد تكون حزبا واحدا وقد تكون عدة أحزاب، لكنه لا يوجد نموذج محدد للتحول الديمقراطي يمكن تصديره، فكل مجتمع ينتج تجربته الديمقراطية الخاصة المناسبة لأوضاعه وبنيته المجتمعية والمناسبة للجو الثقافي العام الذي تنتجه حركية وسيرورة المجتمع، وبالتالي فقد شهدنا في العقدين الأخيرين في كل من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية صيغا متعددة للتحول الديمقراطي، وعلى رغم اختلافها في الصيغ، لكنها اشتركت في قواسم مشتركة، أهمها سلمية العمل ونبذ العنف، والعمل من داخل مؤسسات أنظمتها».
ولفت أوجار إلى أن التحول الديمقراطي الذي يحصل هو مسلسل تدريجي طويل يراكم جولاته لاعتبارات داخلية (الجو السياسي العام، إرادة الحاكم، استقلالية الإعلام، المجتمع المدني، القوى المؤثرة داخليا وإقليميا، والارتباط بالأجندة الخارجية).
وأعطى الوزير السابق أوجار نماذج من التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية وإفريقيا باعتبارها دولا فقيرة سواء في السنغال وموزنبيق وموريتانيا، معتبرا أن التحول الديمقراطي ليس تكنولوجيا وليس وصفة سحرية، لذلك لابد من استحضار الظرف الاجتماعي والتاريخي والسياسي.
ووضع أوجار معطيات أساسية لنجاح المعارضة في الوصول إلى التحول الديمقراطي، قائلا في الصدد: تلعب المعارضات دائما باعتبارها جهة ملحة على إدراج قضايا الإصلاح، لابد في كل هذه المشاريع أن تحظى على توافق وطني واسع بين كل الأطراف السياسية للانخراط بالمشروع السياسي الوطني، والتوافق على ما تعتبره الشعوب ثوابت وطنية، وأن يتضمن هذا التوافق نبذا صريحا للعنف، مكملا: لقد اضطررنا منذ التسعينيات إلى أن نعقد المؤتمرات الوطنية في عدد من الدول، وكان الهدف الصريح من هذه المؤتمرات هو جمع القوى السياسية للتوافق بشأن ثوابت أساسية ستشكل في مرحلة أخرى التوافق الوطني لدولها.
وأوضح أوجار أن المسارات الوطنية يجب أن تقنع كل الأطراف التي ترغب بالعمل السياسي بنبذ العنف والتخريب وتبني الخيار الوطني، مستدركا أنه خيار لا يكون إلا في دولة الحق والدستور، والتي يكون فيها الدستور ينظم الحقوق والواجبات ويكوّن مكونات راسخة لا يشكك فيها أحد، فحين نتوافق على هذا الإطار ويكون هو مجال الفعل تطرح إشكالات عديدة مرتبطة بمكانة المعارضة ومطالبها والصيغ الشرعية التي يجب أن تستخدمها المعارضة لاستقطاب الشارع العام لبرامجها، فعندما نتحدث عن معارضة سياسية فاعلة فنحن نتحدث عن معارضة من داخل المؤسسات، سواء كانت هذه المؤسسات مجالس بلدية أو مجالس شورى أو برلمانات أو ما توفره هذه التجربة من مؤسسات.
وواصل أوجار: أتذكر أنني ترأست وفدا يتشكل من عدد من المنظمات الدولية وكان الهدف هو تنظيم انتخابات تستجيب للمعايير الوطنية وتكمل الاستقرار السلمي، وتؤمن للديمقراطية أن تشتغل بشكل صحيح في بلد إفريقي خرج للتو من ظروف صعبة، لكن كان من الصعب في أكثر اللحظات حساسية إقناع رئيس هذه الدولة بالإتيان برجل يحل محله، لذلك أقول إن الخطاب نحو الديمقراطية هو خطاب سهل، لكن حينما ننتقل للفعل، يتمسك كل طرف بموقعه ومنصبه، وتظهر العديد من العقبات الاجتماعية والسياسية، لذلك نحن في المعارضة نستسهل الخطاب نحو الديمقراطية لكن حين ندخل في معمعة قضايا التغيير الديمقراطي، نجد الأمور أكثر صعوبة.
واستعرض أوجار التجربة المغربية بتسلسل تاريخي بادئا من نفي الملك محمد الخامس بسبب وقوفه مع مطالب الشعب المغربي ضد الوجود الفرنسي في المغرب، وكيف ساق نفي الملك إلى ثورة شعبية المغرب نحو الاستقلال، وبسبب ذلك ظلت المغرب هي الملكية الإفريقية الوحيدة، فكل حركات التحرر التي قادت الاستقلال في إفريقيا هي التي تولت الحكم سواء في مصر أو السنغال أو غيرها من الدول وكان الاستثناء الوحيد هو المغرب.
وفي سرده للتجربة المغربية أضاف أوجار: «قوانين التحرر الديمقراطي تعود إلى بداية الاستقلال في العام 1952 كقانوني الجمعيات والصحافة، ومنذ العام 1958 كان الاختيار الشعبي يتجه للتعددية ورفض الحزب الواحد، وبدأنا بداية طموحة، ثم توفي محمد الخامس وتولى العرش الملك الحسن، وتقوّت أحزاب المعارضة وأصبحت من أقوى الأحزاب المعارضة في الوطن العربي، وبدأ في البلد النقاش وتطور إلى نقاش حاد، ثم تطور إلى احتقان شديد، ثم تطور إلى خصام بشأن الشرعية واقتسام السلطة».
وأردف: في بداية الستينات بدأ الفكر الشيوعي والاشتراكي يغزو العالم بما فيه العالم العربي، واضطر الملك الحسن لإعلان حالة الطوارئ بعد اضطرابات قامت في المغرب في العام 1965.
وكانت هذه المرحلة مكلفة وثقيلة من حيث المعتقلين والصراع الذي كان يقوده زعماء كبار من حجم علال الفاسي، وشهدت هذه المرحلة محاولتي انقلاب فاشلتين، وعلى رغم هذه الأجواء المتشنجة لم تنقطع القنوات بين المعارضة والحكم وظلت هناك صيغ متعددة للحكم وانخراط هذه الأحزاب في مشروع وطني لإيمانها بالوحدة الوطنية وهو ما سيفتح بابا واسعا بعد ذلك لتنظيم الملك الراحل المسيرة الخضراء لاسترجاع الصحراء المغربية، إذ كسرت مشاركة المعارضة فيها حاجز القطيعة هنا بشكل كبير، وشكل الانخراط في المشروع الوطني طريقا للعودة للمسلسل الديمقراطي، الذي انطلق في أواسط السبعينيات، والمصادقة على دستور جديد في بداية التسعينيات وعلى رغم أن جمعيات المعارضة عارضته إلا أنها شاركت في الانتخابات، وبدأ يتأسس مشهد للمعارضة من خلال المؤتمرات والفعاليات التي تنبذ اختيارات العنف والتطرف وقررت الانخراط من جديد في المسلسل الديمقراطي على رغم أنها لم تتوقف لحظة واحدة عن التنديد بتزوير الانتخابات، وبهذه المشاركة انتقلت المعارضة من معارضة البيانات إلى المعارضة المؤسساتية ووصلت لقناعة أنه لا توجد حلول سحرية لحل جميع المشكلات، والخلاصة أن هذه الأحداث مكنت من أن تتحول المؤسسة الملكية حكما بين الأحزاب، مستذكرا أنه في الثمانينيات اشتكت المعارضة من طغيان الحكومة وكان التحكيم الملكي لصالح المعارضة، لذلك نحن انتقلنا من معارضة لنظام إلى معارضة من داخل النظام، لافتا إلى أن هذه المواقف صنعت خصوصية للتجربة المغربية.
وأكد أوجار أن المعارضة هي وضعية مؤقتة لا يمكن أن تستمر إلى مالا نهاية، غير أنه أشار أيضا إلى أن غياب المعارضة أيضا مسألة خطيرة، لأنه لا ديمقراطية بلا معارضة.
وشدد أوجار على أنه من حق المعارضة تشكيل الحكومة مادامت اتفقت على الثوابت الوطنية، مؤكدا أنه من الضروري تدعيم الثقافة التشاورية لأن العلاقة بين المعارضة والحكومة تحتاج إلى الثقة، كما تحتاج إلى عدم الارتهان إلى الخارج، وهنا لا يكفي القرار السياسي بل يجب أن توجد داخل المجتمع ثقافة الديمقراطية.
وأوضح أوجار أن التجربة أثبتت أن المعارضة لابد أن تكون أولوياتها وطنية وتصب في الداخل، كما أنها تدعم تماسك البلد وتوسيع الحريات، مشيرا إلى التجربة المغربية التي وصل أحد المعارضين فيها إلى منصب الوزير الأول (رئيس الوزراء)، لافتا إلى أنه تولى في هذه الحكومة منصب وزير حقوق الإنسان مكرسا حالة المصالحة.
وأضاف الدول الأوروبية انتقلت من نظام الحزب الوحيد إلى نظام تعددي، ولابد هنا عند استعراض التحول الديمقراطي من القول إن في هذا التحول توجد نجاحات وإخفاقات، وعلينا أن نثبّت هذه النجاحات ونعمل على معالجة الأخطاء والإخفاقات.
خاتما حديثه بالقول عندما تصل المعارضة للحكم يتصور العاطل أن العمل سيأتي له جريا، ويتصور المريض أن الدواء سيأتي من السماء، لكننا نرى كيف تتحول المعارضة إلى الحكم وكيف بعد دورة أو دورتين تسقط المعارضة من الحكم، لذلك يجب على المعارضة التي تنتهج العمل السلمي أن تستعد للمشاركة في الحكم بشكل صحيح.
العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ