العدد 2787 - الجمعة 23 أبريل 2010م الموافق 08 جمادى الأولى 1431هـ

دَفْنُ الخُصوم لدى الأحزاب العراقية لا يُعتَبر وأداً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حَصَلَ ما يُخشَى منه في العراق. ففي الثامن عشر من الشهر الجاري قرّرت المحكمة التمييزية «إعادة فرز أصوات الناخبين يدوياً في محافظة بغداد (2.5 مليون صوت) إثر طعون تقدّمت بها (وألحّت عليها) كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي». والتي نالت 26 مقعداً في العاصمة بغداد ضمن 89 مقعداً في عموم محافظات العراق.

الخَشية في ذلك أن تُرتَجَع ذات السيناريوهات السابقة فيما خصّ التأثير السياسي على مؤسسات الدولة المستقلّة. حصل ذلك في هيئة النزاهة العراقية التي نَظَرَت في 17610 حالات فساد، لكن 2772 قضية منها (وبسبب ضغوط سياسية من السلطة والأحزاب الحاكمة المتورّطة) صَدَرَ بشأنها عفو رغم أن بعضاً من تلك القضايا تجاوزت قيمتها الأربعة مليارات دولار في وزارة الدفاع العراقية وحدها!

نتذكّر أيضاً أنه وعندما قرّرت الهيئة التمييزية في العراق تأجيل النظر بالطعون المقدمة من قبل المرشحين المشمولين بقرارات هيئة المساءلة والعدالة، مُورِست عليها الضغوط بشكل غير عادي، واتُهِمت بأنها «أميركية الهوى» حتّى عادت وقرّرت العكس برسالتها للبرلمان بأن «المجال أصبح رحباً لرؤية الاعتراضات، وأنهينا ذرائع 27 من المشمولين بقرارات الإبعاد التي اتخذتها هيئة المساءلة والعدالة والتي شملت ما يزيد على 500 شخصية وكيان».

ونتذكّر أيضاً أنه وقبل الانتخابات كان الدّارج القانوني والعُرفي في العراق بأن الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات هي من تُشكّل الحكومة، كما حصل من قبل بالنسبة للائتلاف العراقي المُوحّد في انتخابات العام 2005 والذي أُسْنِدَت إليه صلاحية تشكيل الحكومة دون دفوع قانونية، ودون معارضة من الكُتَل الأخرى، إلاّ أنه وبعد أن بيّنت النتائج فوز قائمة إياد علاّوي في الانتخابات الأخيرة، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا فتواها القانونية بتسمية «الكتلة الأكثر عدداً في مجلس النواب» بتشكيل الحكومة بعد اعتراض كتل مُعيّنة.

ونتذّكر أيضاً أنه وقبل الانتخابات كانت المفوضية العليا للانتخابات تقول بـ «استبدال المرشحين الفائزين في الانتخابات النيابية المشمولين بالاجتثاث بآخرين من نفس قائمتهم». اليوم وبعد ضغوط من هيئة المساءلة والعدالة ومن بعض الأحزاب المتنفذة ومن حكومة المالكي نسمع حمديّة الحسيني مديرة الدائرة الانتخابية في المفوضية العليا تقول إن «مصير المرشحين الفائزين في الانتخابات والذين جرى شمولهم بقرارات هيئة المساءلة والعدالة مازال غير محسوم حتى الآن وستقرره الهيئة القضائية الانتخابية». وهو ما يعني أن شيئاً مُبيتاً سيحدث لا محالة طبقاً للسيّاق المُجرَّب.

هذه الأمور تجعل من شواغل السياسة العراقية فيما يتعلّق بخبر إعادة الفرز في بغداد غير آمنة. في المُحصّلة (وكما قال عضو الائتلاف الوطني العراقي كريم اليعقوبي) فإن «اجراء تغييرات في نتائج الانتخابات سيعرض شرعيتها للطعن». فالأجواء التي أعقبت النتائج أفرزت تحالفات وميولاً واتجاهات على مستوى المحافظات يجعل من الأمر بالغ التعقيد، وقد يحصل احتقان يُؤدّي إلى صِدَام حين يحدث تعديل في النتائج.

لنأخذ الموضوع بحساب الأرقام. فحسب طعون ائتلاف دولة القانون فإنها تقول إن «حجم التلاعب» في الأصوات حصل في خمس محافظات (هي البصرة، القادسية، نينوى، الأنبار وبغداد)، مجموع أصوات التلاعب فيها (حسب الادّعاء) هو 750 ألف صوت. وإذا ما قُسّم هذا الرقم على العاصمة بغداد باعتبارها الأكبر من حيث عدد المقاعد، فإنها افتراضاً ستحوز على 375 ألف نسمة.

فالقادسية تحوي 373339 صوتاً، وقاسمها الانتخابي 33939.91، وعدد مقاعدها أحد عشر، حصل منها علاوي على مقعدين والمالكي على أربعة. والبصرة بها 814810 أصوات، وقاسمها الانتخابي 33950.4، وعدد مقاعدها أربعة وعشرون، حصل منها علاوي على ثلاثة والمالكي على أربعة عشر.

ونينوى بها 1054798 صوتاً، وقاسمها الانتخابي 34025.74، وعدد مقاعدها واحد وثلاثون، حصل منها علاوي على عشرين مقعداً، والمالكي لم ينل منها أيّ مقعد. والأنبار بها 472603 أصوات، وقاسمها الانتخابي 33757.36، وعدد مقاعدها أربعة عشر مقعداً، حصل علاّوي منها على أحد عشر مقعداً، فيما لم يحصل المالكي على أيّ مقعد.

ولأن القاسم الانتخابي للعاصمة بغداد هو 37378.19 ومجموع نفوسها المُقتَرِعَة 2541766 صوتاً لاستحقاق 68 مقعداً، فإنه وحسب الافتراض المذكور فإن النتيجة حين تنال قائمة المالكي 375 ألف صوت (رغم أن الرقم أكبر) سيعني حصولها على أزيد من عشرة مقاعد إضافية. بمعنى أنها ستقفز من 89 مقعداً إلى 99 مقعداً! مع تراجع مقاعد القائمة العراقية نزولاً مع بقيّة الكتل.

ما يهمّ من كلّ ذلك هو فهم العملية السياسية في العراق كما يجب ومدى ارتهانها للأحزاب الحاكمة ولنفوذها داخل مفاصل الدولة. وإذا كانت الأحزاب بهذه القوّة التي تجعلها تحصل على الوزارات بسهولة والقيادات الأمنية والعسكريّة بسهولة، وعلى ليّ أذرع المؤسسات الدستوريّة المستقلّة وغير المستقلّة بسهولة، بل وعلى الشهادات الأكاديمية بسهولة، فما هي قيمة الدولة وجهازها وقوانينها إذاً؟

هذا الموضوع مهم جداً، وعلى العراقيين إدراكه جيداً. فالسياسة لا تقوم على شكليّات وديكورات، وإنما على قوام سياسي وحقوقي نابِه ومنيع. وعلى هذه الأحزاب أن تبتعد عن حياة المعارضات التي عادة ما تستغرق في عملية التقابل والتشكيك المطلق في الآخر، وهو بالتأكيد ما يجعلها تعضّ على أيّ شيء تحوزه بالنواجذ، وتعتبر السلطة والنفوذ بمثابة الحياة أو الموت، لتتحوّل الدولة (والآخرين معها ) لاحقاً إلى ضحايا ثور هائج يُحطّم كلّ شيء أمامه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2787 - الجمعة 23 أبريل 2010م الموافق 08 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:15 م

      رداً على الزائر (4)

      لأن علاوي أصلاً لا يستطيع عمل ذلك ويعرف حق المعرفة أنه لو يفعل المستحيل فإنه لن يحصل على ما تقول. أنا أتفق مع الأخوة في أن تقوم بتناول الشأن الإيراني بدلاً من تناول الشأن العراقي، فهذا أفضل لنا ولك.

    • زائر 7 | 4:33 م

      رد على رقم (5)

      يبدو انك مصمم على المضي في نكتك السياسية، كيف افترضت ان باقي القوائم كالأكراد سيوافقون على الإنضمام لهذا التحالف وانت تعرف حساسيتهم من البعثيين حتى وان كانوا بعثيين قدامى كعلاوي، وكيف افترضت ان الإتلاف سيقف مكتوف اليدين ولن يقوي تكتله بتحالفات اخرى! وكيف افترضت ان هذه الكتل( لو افترضنا قبولها بالتحالف الذي ذكرته) ستوافق على ان بقودها علاوي رغم ان بعضهم اكبر من تكتل علاوي ؟! انت يا سيدي حلمت وافترضت ان حلمك سهل المنال وهو قريب الى المستحيل!ثم افترضت ان علاوي نبي مرسل زهد في السلطة

    • زائر 6 | 3:25 م

      رد على 5

      سأعتبر ما قلته تزكية لعلاوي لأنه لم يفعل ولم تكن لديه شهوة السلطة مثل ما هي عتد هؤلاء الحاكمين . ما الذي كان سيمنعه التحالف مع جبهة التوافق 44 والحوار 11 وهم الأقرب إليه وما الذي كان سيمنعه من التحالف مع التحرير والرافدين والأقليات وهم العلمانيين القريبين منه كرجل علماني وما الذي كان سيمنعه لو انه اشبع غليل الاكراد في الحكم والنفط وهما مدار تحالفاتهم . الفرق سيدي الكريم ان علاوي ليست لديه شهوة السلطة مثل الحاكمين اليوم

    • زائر 5 | 2:43 م

      رداً على رقم 4

      سأعتبر ما ذكرته نكتة سياسية ليس اكثر ، التحالفات ليست شربة ماء كما تتوقع ولا يستطيع علاوي ان يحقق هذا التحالف الذي ذكرته انت ولا حتى في الحلم، ولو افترضنا انه كان يستطيع فإنه من المضحك القول انه لم يفعل رغم استطاعته !!!!

    • زائر 4 | 5:14 ص

      رد على رقم 3

      قائمة الائتلاف العراقي الموحد حصلت في العام 2005 على 128 مقعد والشرط لتأليف الحكومة هو 163 مقعد اي أنه كان يحتاج إلى 35 مقعد وكان بامكان علاوي 25 مقعد أن يتحالف مع جبهة التوافق 44 مقعد والجبهة العراقية للحوار الوطني 11 مقعد والتحالف الكردستاني 53 مقعد والاسلامي الكردستاني 5 مقاعد والمصالحة والتحرير والتركمانية والرافدين والأزيدية والأمة 7 مقاعد ليحصل على 145 مقعد لكنه لم يفعل ولم يحرك المحكمة العليا

    • زائر 3 | 4:26 ص

      كلام غير صحيح

      ذكرت في مقالك ((ونتذكّر أيضاً أنه وقبل الانتخابات كان الدّارج القانوني والعُرفي في العراق بأن الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات هي من تُشكّل الحكومة، كما حصل من قبل بالنسبة للائتلاف العراقي المُوحّد في انتخابات العام 2005)) هذه مقارنة مع الفارق، لأن القائمة الفائزة قبل الإنتخابات كانت هي الكتلة الاكبر في البرلمان فلم يكن هناك اشكال كما حدث هذه المرة ! ثم انه من الذي يقول بأن ذلك يصبح عرفاً بمجرد حصوله لمرة واحدة! وهل سيصبح دائما رئيس العراق كردي ايضاً لحصول ذلك لمرة واحدة ؟!

    • زائر 2 | 3:19 ص

      اضافة

      لاحظ بان التكفيريين والصداميين لا يتناقضان في اعمالهم الارهابية في العراق ولا يوجد تقاتل بينهما وهو الدليل على تحالفهم وبالتالي فعلينا الوقوف مع المالكي حتى في خطأه لان الخطا الاكبر هو ان نسانده في وجهم اؤلئك

    • زائر 1 | 3:16 ص

      تقدير لكم

      الاستاذ الكاتب محمد عبدالله السلام عليكم . مقالاتكم عن العرق فيها نقد لاذع للحكومة العراقية رغم ان الارهابيين ينهشون فيها كل ساعة كما انني ارى انكم لا تكتوب عن الشان الايراني رغم انه مهم جدا وانا شخصيا ومجموعة غير قليلة من الاهل والاصدقاء يتابعون مقالاتكم الرائعة ارجو اخذ الملاحظة بعين الاعتبار

اقرأ ايضاً