العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ

القيادات الهرمزية وتراجع الحريات الدينية

بعد اختفاء «بنو معالي» من الساحة المحلية، لا بد أن تكون هناك جماعة أخرى استلمت منصب القيادة في مسجد الخميس وهذا ثابت من النقوش التي ستظهر مستقبلا والتي عثر عليها في مسجد الخميس. ومن مجموع الأسماء التي استطعنا أن نجمعها من النقوشات المنشورة، سواء كانت نقوشات بناء مساجد أو ترميمها أو نقوشات جنائزية أي نقشت على القبور، يمكننا أن نستنتج أنه قد تم إسناد مسئولية إدارة جزر البحرين بعد «بنو معالي» إلى مجموعتين من الأشخاص. الأولى يرجح من أسمائها أنهم هرمزيون، أما المجموعة الثانية فيتشابهون في الألقاب ويبدو أن جميعهم ينتمون لفئة دينية معينة ويرجح تأثرهم بالشيعة المتصوفة على ما يبدو من بعض ألقابهم وسوف نتناولهم في الحلقة القادمة بالتفصيل.


التراجع النسبي في الانفراج الديني

يرجح لدفيك كالوس في كتابه عن النقوشات الإسلامية في البحرين من خلال دراسة النقوشات الإسلامية التي تعود لهذه الحقبة حدوث تراجع نسبي في الحرية الدينية فلا توجد نقوش تعكس الهوية الشيعية بنفس القوة التي كانت تعكسها نقوشات الحقبة التي تسبقها. إسناد إدارة البلاد لأفراد ربما لا تنتمي للمذهب الشيعي. إلا أن سياسة بناء المساجد و ترميمها ما زالت مستمرة، ويبدو أن هناك نوعا من التصالح بين الإدارة الهرمزية والشعب.


تسلسل الحكام الذين أداروا البحرين

أما عن تسلسل إدارة الحكم فلا نستطيع أن نجزم على تسلسل معين، فظهر أولا اسم لشخص من مجموعة الهرمزين وبعده اسم من الجماعة الثانية، وبعده اسم من الهرمزين، ثم أسماء لأشخاص من المجموعة الثانية ولكن دون تاريخ محدد ولكن رجح أنهم من نفس الفترة الزمنية التالية للسابقين. فهل هذا يعني أن القيادة كان يتناوب عليها فيكون الأول من الهرمزين و من ثم يخلفه آخر من الجماعة الثانية وبعده آخر من الهرمزين، أو ربما كانت بصورة عشوائية أو كان هناك مجلس لاختيار الرئيس على أن يكون من إحدى المجموعتين. لا نستطيع الجزم، وعليه سأتناول هنا أولا سلسلة الحكام الذين يرجح من أسمائهم أنهم هرمزون و بعدها نناقش المجموعة الثانية بالتفصيل.


القيادات الهرمزية

يمكننا أن نستنتج تلك القيادات من نقوش ترميم المساجد، فيبدو أن القيادة الهرمزية الجديدة ليست مستعدة في الدخول في صراعات داخليه، وعليه فضلت أن تسير على السياسة القديمة، وتدعيما لتلك السياسة شرعت القيادة الجديدة بترميم المساجد القديمة وبناء مساجد أخرى.

هذه السياسة في الترميم والبناء والمحافظة على الحرية المذهبية في جزر البحرين يجعلنا نتساءل عن هوية هذه القيادة الهرمزية. المرجح من أسمائهم أنهم هرمزيون، ولكن هل عاشوا في جزر البحرين مدة طويلة واندمجوا مع شعبها قبل تسلم القيادة ومن ثم أسندت لهم القيادة؟ أو هو فقط من أجل الابتعاد عن الصراعات الداخلية والمحافظة على رتم معين من السياسة الداخلية؟ ربما نحاول استنباط بعض الإجابات لاحقا ولكن لنتناول الآن نقوش الترميم والبناء الجديدة لمعرفة تلك القيادة.


نقش الوقفية ورئاسة خواجه كرد

يرجع تاريخ هذا النقش لعام 776 هجرية (1374 م) وقد عرف هذا النقش باسم نقش «الوقفية» لأنه يعلن فيه مجموعة من أسماء النخيل التي تعتبر وقفا للمسجد. وهذا النقش حاليا معروض في متحف البحرين. ولم يعثر على هذا النقش في مسجد الخميس بل وجد في قرية المصلى، ويقول جيمز بلغريف إنه بلا شك كان هذا النقش موجودا في المسجد بالأصل. ويذكر دياز أنه في العام 1914م كان هناك نقش معلق على واجهة الغرفة الغربية (بين المحرابين) نقش مسجل فيه تاريخ بناء المسجد ويرجع تاريخه لعام 740 هجرية، إن كان فعلا دياز يقصد هذا النقش فقد أخطأ في قراءة التاريخ، وقد سبق أن أشرنا إلى أن دياز أخطأ في قراءة عدة نقوشات. وهذا النقش الذي يقصده دياز ذكره أيضا محمد علي التاجر في كتابه عقد اللآل في تاريخ أوال حيث قال:

«وفي أعلى محرابه صخرة نقش فيها اسم الباني والمرمم وأعيان الأوقاف الموقوفة عليه المخصص ريعها عليه إلا أن الصخرة المذكورة لعبت فيها أيدي المغرضين فهشمت أسماء الأوقاف لألا تسترد من أيدي غاصبيها وأخيرا وقعت وفقدت».

ومن وصف التاجر يتأكد لنا أن صخرة الوقفية هذه هي التي كانت معلقة على محراب الواجهة الخارجية للغرفة الغربية. النقش يتكون من قطعتين، النص الذي نقش على القطعة الأولى يتكون من أربعة أسطر و نصه كالتالي:

(((بسم الله الرحمان الرحيم أمر بعمارة هذا المسجد المبارك الصاحب المعظم خواجه جمال الدين علي بن المرحوم منصور بن محمود كرد زيد تعظيمه قربة إلى الله تعالى ووقف على مصالحه جميع السرمر والملك المعروف بفوليان من البلد القديم مع نصف الملك المعروف بحمكان من حويص عالي على أن يلوث ويبقى ستمئة منا ثنا لمأن كل من يحضر لقراءة القرآن كل يوم رمضان ومئة و خمسون منا ثنا لمأن كل من يحضر للصلاة يوم الجمعة كل جمعة خمسة آن و ستمائة منا ثنا لقيمه و مائة منا ثنالقيمه ثمن سراجه بهما و باقي لمصالحه من فروش ورم وغيرهما تقبل الله حسابه وأعلى درجاته في سابع وعشرين صفر سنة ست وسبعين وسبعمئة هجرية))).

أما نص القطعة الثانية فيتكون من سطرين:

(1) أيضا يضاف على نصف حمكان مع صرمر فوليان جوبار.

(2) عين القصارين الصغرى الغربي وقفا شرعيا متقربا إلى الله تعالى.

حتى نتمكن من فهم ألفاظ هذا النقش لابد لنا أن نعطي مقدمة عن أسماء قطع الأراضي الزراعية في تلك الفترة. هذه الأسماء مصنفة هنا حسب المساحة من الأصغر مساحة حتى الأكبر مساحة وهي:

1 - العكرة فهو قطعة صغيرة جدا تترك عادة دون زراعة لأنها تقع ضمن ممتلكات الغير.

2 - الجوبار والسطر عبارة عن شريط ضيق من الأرض يقع على مجرى مياه الري أو بين قطعتين كبيرتين. ومن هنا نفهم أن «جوبار عين القصارين الصغرى الغربي» المذكور في النقش هو الشريط الضيق من الأرض الواقع غرب عين القصارين (قصاري).

3 - الصرمة أو القطعة هي بستان صغير عرضه 9 - 15 مترا و طوله بين 15 و30 مترا، ويقع عادة بالقرب من القرية.

4 - الدالية وهي بستان من النخيل مربع الشكل أكبر من الصرمة طوله بين 18 و 30 مترا، والاسم مشتق من الدلو وهو الوعاء المستخدم في الري.

5 - الدولاب وهو بستان كبير للنخيل طوله بين 60 و122 مترا و عرضه بين 30 و60 مترا، وهو يسقى بالزاجرة.

6 - الرفض والمغارس والبرية وهي قطعة صغيرة مزروعة لكنها غير مروية لارتفاعها عن مستوى المياه المحيطة بها، ويزرع النخيل في حفرة عميقة قريبة من منسوب المياه الجوفية.

7 - الزراعة وهي القطعة المخصصة لزراعة الخضار وعلف المواشي يتراوح طولها بين 183 و213 مترا و عرضها نحو 183 مترا.

8 - النخل وقد كان أكثر الأنواع انتشارا، يتراوح طوله بين 300 و 1524 مترا و عرضه بين 60 و 153 مترا، و قد يكون مربع الشكل أو مستطيل أو دائري أو نصف دائري، ويروى عن طريق القنوات المائية العميقة التي تنقل المياه من أقرب الينابيع العذبة. وتعطى كل قطعة من بساتين النخيل اسما يبين حجمها وموقعها أو يدل على الانتماء الديني أو الأصل العائلي لصاحبها.

والأسماء الواردة في النقش وهي «سرمر و فوليان و حمكان» ما هي إلا أسماء نخل.

نقش مسجد الشيخ حماد أبو محاره ورئاسة إقبال الدين سلطان محمد يقع هذا المسجد في قرية المقشع، وقيل إن بهذا المسجد قبر الشيخ حماد والد الشيخ علي بن حماد الذي يوجد قبره في باربار الذي سبق الحديث عنه، إلا أنه لا يوجد قرائن قوية ترجح صحة هذه القصة، وقد ذكرنا سابقا حقيقة علي بن حماد المرجحة من خلال التواريخ والنقوش والمراجع التاريخية وعليه أعرضنا عن هذه القصة التي لا يوجد مايعززها. وما يهمنا في هذا المسجد نقش البناء الذي يعود تاريخه لعام 809 هجرية (1406م) (أي بعد 77 عاما من بناء مسجد علي بن حماد في قرية باربار)، والذي يظهر فيه اسم وزير الدولة الهرمزية في البحرين إقبال الدين السلطان محمد، ونص النقش يتكون من أربعة أسطر كالتالي:

(1) قال الله تعالى «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر» وقال النبي صلى الله عليه وسلم

(2) من بنى لله مسجدا بنى الله له ألف بيت في الجنة... بني هذا المسجد المبارك في سلطنة سلطان الأعظم مالك الرقاب الأمم

(3) مولى ملوك العرب والعجم ظل الله في الأرض شمس الحق والدنيا والدين محمد شاه خلد الله خلافته إلى آخر الأيام... الأعظم

(4) ... حضرة سلطان سر... إقبال الدين سلطان محمد أدام الله برهانه في محرم سنة تسع وثمانمائة الهجرية

يرد في النص اسم ملك هرمز محمد شاه الأول الذي يرجح أنه حكم هرمز فيما بين 1377 م و 1400م. إلا أن بعض المراجع تشكك في نهاية حكمه. وعليه فهناك احتمالان لسبب ورود اسمه هنا الأول أن محمد شاه مازال حاكم هرمز أو أن الاسم ورد هنا لتخليد ذكر محمد شاه.

العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً