العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ

لا خير في اتفاق إن كان أَحْنَف السّاق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بيّنت الأحداث المنفرطة في العراق خلال الأسبوع الماضي أن اتفاقا أحنف الساق سيتم تدشينه بين (بعض) الكتل الفائزة في الانتخابات. أبطاله ثلاث جهات. الائتلاف الوطني العراقي بزعامة السيد الحكيم والصدريين. ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي وحزب الدعوة الإسلامية. التحالف الكردستاني برئاسة جلال طالباني/ مسعود برزاني وحواشيهما.

وحسب نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فإن الأول يملك واحدا وسبعين مقعدا، والثاني تسعة وثمانين مقعدا. والثالث ثلاثة وأربعين مقعدا. مجموع مقاعدهم يساوي مئتان وثلاثة مقاعد. والمطلوب لتشكيل الحكومة (دستوريا) هو مئة وثلاثة وستّون مقعدا. ولتعيين رئيس للجمهورية فإن المطلوب هو مئتان وثمانية مقاعد.

وحسب التفسير الذي قدّمته المحكمة العراقية الاتحاديّة العليا حول الكتلة النيابية الأكبر (أو الأكثر) فإن ما يجري بشأن ذلك الاتفاق يلائم ما قدّمته المحكمة من تفسير (مُؤوّل حزبيا). ما يعني أنه (وبالقانون) سيخرج من صلب اللعبة تحالف «القائمة العراقية» وتحالف «وحدة العراق». وقائمة «التوافق». هنا نستذكر قول وليم شكسبير حين قال «الشفقة جوهر القانون، ولا يَستخدِم القانون بقسوة إلاّ الطغاة».

أكادُ أجزِم أن الأحزاب السياسية العراقيّة أثبتت أنها تَرِثُ الظّلم بمقدار مناهضتها له. فعندما كانت تعرِك الرّحى بثفالها ضدّ حكم البعث طيلة ثلاثة عقود، تمظهرت بأنها لم تكُن تقوم بذلك إلاّ لنيل ما هو ضدٌ للاستبداد. كانت تلك سمتها في السياسة وممارساتها إلى حين سقوط النظام في 9 أبريل/ نيسان من العام 2003 حين تهاوى لا يلوي على شيء.

اليوم أثبتت الظروف أن هذه الأحزاب لا تنوي خيرا بالعراق ولا بالعراقيين. هي ترى الدولة والنفوذ قِسْمة بينها، حتى ولو كان تمثيلها ناقصا. بالتأكيد، ليست ذاكرتهم بقصيرة عن انتخابات العام 2005 حين غابت طائفة كاملة عن التمثيل، وما أعقب ذلك من بروز شهوة العنف والقتل، طمعا في حظوة قدم وسط الزّحام.

نتساءل: ماذا سيفعل هؤلاء المُلتئمون بمن حصل على أربعة مقاعد في كربلاء وذي قار وواسط، وعلى ستة وعشرين مقعدا في بغداد، وسبعة مقاعد في كركوك، ومقعدين في القادسيّة، وثلاثة مقاعد في البصرة، وثمانية مقاعد في ديالي، واثني عشر مقعدا في صلاح الدّين، واثنين وعشرين مقعدا في نينوى، وأربعة عشر مقعدا في الأنبار، وثلاثة مقاعد في بابل؟!

أين سيجد ناس هذه المحافظات تمثيلهم وصوتهم ونفوذهم؟! ما نعلمه في الدول التي تنشد الاستقرار أنها تجنح صوب الحكومات الائتلافيّة واسعة التمثيل، وهي الأكثر تطبيقا في برلمانات التمثيل النّسبي. نجِد ذلك في السّويد والدنمارك، والنرويج والهند التي تأتلف في أربعة عشر حزبا، ولوكسنبورغ وهولندا وألمانيا وإيطاليا.

بل إن بلدا كبلجيكا الذي يتقافز ما بين فلامانكيّون وفرنكوفونيين لا تصطلح أحواله إلاّ بتعاضد الأحزاب الخمسة. وفي بلد ثري متقدّم كفنلندا اجترّ توازنه الحالي منذ الاستقلال عبر ائتلاف أحزابه الخمسة. بل إن بلدا كنيجيريا لا يعرف الاستقرار إلاّ بتمثيل ست وثلاثين ولاية في حكوماته المتعاقبة، وإن بلدا كالاتحاد السويسري بات مدمنا على حكومة ائتلافيّة منذ نهاية الخمسينيات من القرن المنصرف.

أما في العراق، فإن ذلك لا يجد طريقه لدى الأحزاب السياسية فيه. بل إن من يحوز على أكثريّة المقاعد يُصبح هامشا، وهو بخلاف منطق الأشياء. ففي الوقت الذي تطمح فيه الدول لتوسيع ثقل الحكومات فيها لترسيخ حضورها البرلماني والاجتماعي، يمنح العراق حكومته هامشا أقلّ ما يقول عنه إنه ضَيعَة في بلد ممتد.

حَسْبَة المصالح بين تلك الأحزاب هو التالي: ائتلاف المالكي يريد التشبّث بالسلطة ويُنادمها ما أمكن حتى ولو لم يكن رئيس الوزراء منه. وائتلاف الحكيم يرى نفسه بيضة القبّان بين أغلبيّات غير ناجزة إلاّ به، فيطرح نفسه ساقا نظيفة يتّكأ الآخرون عليها مقابل امتيازات جوهريّة له في الحكم والريادة المذهبية.

والتحالف الكردستاني لا يهمّه في القِسمة إلاّ موضوعيْن أساسيّين: الأول: أن تكون رئاسة الجمهورية «كرديّة» الطابع لضمان نفوذه داخل الدولة والإقليم، ومناكفة الأتراك. والثاني: عدم المساس بموضوع كركوك، لضمان الحصول على منابع النفط، والاستمرار في إعطاء العقود النفطيّة للشركات الغربية كيفما اتفق، لتحويل المركز من بغداد والوسط إلى كركوك والشمال الذي يُسيطرون هم عليه.

بل إن أحزابا صغيرة منضوية تحت عباءة الائتلاف الوطني العراقي كحزب الفضيلة الذي يأمّه دينيا وسياسيا الشيخ محمد اليعقوبي أظهر قبولا ولِينا تجاه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي فقط مقابل نيله سلّة من الوزارات غير السيادية، وبعض من كراسي محافظة البصرة التنفيذية.

ما يهمّ من كلّ ذلك العَتَب هو الخوف على مستقبل العراقيين. فحين ترى شريحة كبيرة أنها باتت كمَّا مُهمَلا، فإنها عادة ما تلجأ إلى التعبير عن وجودها من خارج إطار الدولة، ومن خلال العنف الشخصي والجماعي. ما يعني أن الضابط حولها يُصبح غائبا. كما أن ذلك يسلب منها الشعور بالوطنية والواجب تجاه الدولة التي لم تَحمِها ولم تُقدّم لها ظروف الاندماج.

فالوطنيّة واستحقاقاتها ليست ترفا أو نذرا أو هِبات تُقرّر من فائض المُؤنة. بل إنها تعني دولة، مواطن، حقوق، واجبات، انتماء، مشاركة والتآم حول فكرة جامعة تربط المكان بالبيروقراطية الحقيقية للدولة. بعكس ذلك، فلا يُتوقّع من المهمّشين والمقصيين أن يكونوا حامين للنظام كما يجب، حتى لو تمّ اللعب على ذلك عبر طريق «الاستحلاب» الاسمي للكتل والطوائف.

فحين يكون رئيس الجمهوية كرديا وينوب عنه نائب شيعي في اليمين ونائب سنّي في الشمال، أو حين يكون رئيس الوزراء شيعيا ينوب عنه كردي وسنّي بين كتفيه، أو حين يكون رئيس مجلس النواب سنّيا وينوب عنه كردي وشيعي على جنبيه، فإن ذلك لا يكفي لتضمين الكتل والطوائف في جسم الدولة. لأن ذلك لا يعدو كونه تحنيطا ووَهْما.

باختصار فإن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بشكل توافقي يكون فيها لإياد علاّوي وقائمته (باعتبارها الفائز الأول في الانتخابات) الريادة سيعني التالي: ضمان الصّوت السّنّي الجوهري داخل العراق. وأيضا ضمان علاقات أكثر دفئا بالمحيط العربي من المغرب العربي وحتى المملكة العربية السعودية، وانتهاء بتركيا. وهما الأمران اللذان يفتقدهما العراق (بشدّة) في هذه المرحلة، واللذان سيوفّران مزيدا من الأمن والسلم الأهليّين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 11:44 ص

      an opportunity

      اتفق معك يااخي الكاتب محمدعبداللة محمد في مقالك هذا الموسوم للمسالة العراقية بعيد الانتخابات الاخيرة بالرغم عن ان حكومات ماسميت التوافقات الوطنية لم تتسم بالقوة سابقا ولم تستطع التفرغ لحل شيئا يسيرا للمشاكل التي تعاني منها الطبقات الفقيرة والمهمشة الا اني اعتقد ـكما تعتقد علىما اضن ـ ان الوضع الذي نشا بعد النتخابات متجسدا في حصول قائمة العلاوي ومناصريه على الريادة ،،ان هذا قد تغير عن السابق قليلا،وسيكون من الخطا السي اسي استبعاد هم

    • زائر 9 | 10:21 ص

      قدر العراق أن يكون عظمة في حلق الفرس

      و سيرجع العراق عربيا شاء من شاء و أبى من أبى .. و الشكر موصول للشقيقة العربية السعودية و تركيا العثماينة و لا عزاء لل....,

    • زائر 8 | 9:45 ص

      رد على زائر 6 و 7

      ليس نحن من نستفيد من تولي علاوي للحكومة بل الشعب العراقي الذي لا يهمه ان كانت نسبته المذهبية إلى هنا أو هناك 90 أو 100 % وما الدول العربية سوى عمق يهدأ العراق منه أو يثور

    • زائر 7 | 6:13 ص

      علاوي هو من حارب البعثيين والإرهابيين والقاعدة

      علاوي هو من حارب البعثيين والإرهابيين والقاعدة في الفلوجة فكيف تتهمونه بالبعثية يا جماعة

    • زائر 6 | 3:00 ص

      غلطة الشاطر بألف

      أخي الكاتب هل انت تعي ما تكتب؟ وهل سوف يكون الخير للعراق بلتنازل للبعثين مثل المطلق وعلاوي؟ وهل امن العراق هو التنازل للاطراف الداعمة للارهاب؟ يعني ان الارهاب قد انتصر. عد للتاريخ القريب وراجع مقالك.

    • زائر 5 | 2:06 ص

      السياسة تحتاج لكياسة و ليس سداجة

      الكاتب يحتاج ليتعمق أكثر فى الموضوع.... مشكلة علاوى هو الطرف ألاضعف فى العراقية و قائمتة قامت بدعم من السعودية و تركيا و هى مكونة من أخوان المسلمين (طارق اهاشمى ) و بعثيين صالح المطلك و تركمان فكيف يمكن لمن عان من هؤلاء أن يثقوا بهم ألا أن سنة العراق كانت لهم فرصة كبيرة فى الدخول عبر الصحوات الا انهم أبو الا الانقلاب فخاف الجميع منهم

    • زائر 4 | 1:33 ص

      ماذا عن التزوير

      لا أراك كلمت عن التزوير ..

    • زائر 3 | 1:25 ص

      لمصلحة من التنازل؟

      هناك دول حكوماتها سنية ومعظم الشعب من الشيعة بينما 99% من الوزراء هم من الطائفة السنية.. فلماذا ننسى تلك الدولة ونتجه الى العراق؟ لماذا لا نطالب بالمثل قبل توجيه سهامنا الى العراق؟ يكفي نهش البعث في العراق لنأتي نحن ونريد استرجاع البعث.. يكفي علاوي انه مدعوم من دول ترعى الأرهابيين على اراضيها.. مغترب..

    • زائر 2 | 1:02 ص

      اخبار

      تتحدث الانباء هذه الايام عن احتمال حصول توافق بين المالكي وعلاوي وهو يتمناه الجميع لاستقرار بلاد الرافدين

    • زائر 1 | 12:05 ص

      عام بعد آخر

      اولا عنوان المقال رائع سيدي الكاتب ثانيا اشكرك على هذا الحديث الذي يجعلنا نتحسر على اوضاع العراق عام بعد عام

اقرأ ايضاً