تناولنا في مقالة الأمس الأوراق القوية التي في يد الفريق البحريني المشارك في قمة المنامة الثنائية، واليوم، وكي تكتمل الصورة، نسلط الضوء على بعض القضايا التي يمكن أن يقدمها الوفد البحريني في هيئة طلبات يمكن أن تخرج القمة بحلول تعالج جوانبها.
نقطة الانطلاق هنا هي ضرورة أن تدرك البحرين، وهي تجلس إلى طاولة المحادثات النسبة والتناسب بين الطرفين، دون أن ينتقص ذلك من كرامة البحرين، أو يسيء لمكانتها السياسية، كما قد يتوهم البعض.
البحرين مطالبة في هذه القمة أن تفصح لشقيقتها السعودية عما تعانيه من مشكلات، ليس في صورة شكوى، بقدر ما هي بمثابة بوح الابن الأصغر في العائلة الخليجية لأخيه الأكبر منه عن المشكلات التي يعاني والضغوط التي يتعرض لها من أجل الاستعانة بخبرته وإمكاناته للتغلب على تلك المشكلات ومواجهة تلك الضغوط على حد سواء.
لن نتحدث هنا عن القضايا الكبرى، فمن غير المتوقع أن يقفز فوقها أي من الطرفين، فمن الطبيعي أن تفرض نفسها على المفاوضات، لذا سنقصر حديثنا على بعض المسائل التفصيلية التي نخشى عليها من الضياع في زحمة تناول تلك القضايا الكبرى.
أول تلك المسائل، هي البطالة التي لاتزال تشكل إحدى المشكلات المستعصية التي يئن تحت آلامها العديد من الدول النامية الصغيرة من حجم البحرين.
ليس هناك حاجة للاختلاف حول تعريف البطالة، أو الوقوف بتعصب أعمى حول نسبها، في البحرين، التي تنخفض في تصريحات المسئولين الحكوميين فيعترفون بنسبتها التي تقل عن 4 في المئة، أو المعارضة التي ترفع سقفها كي تصل إلى ما يربو على 8 في المئة. القضية المشتركة هنا هي اعتراف الطرفين: الحكومة والمعارضة بتفشي البطالة.
يمكن للطرف السعودي أن يساهم في خفض نسبة البطالة من خلال مدخلين، الأول هو عن طريق تمويل برامج بناء الكفاءات (Capacity Building)، من خلال تمويل برامج محددة متخصصة في التدريب والتأهيل، وهي مكلفة عندما نتحدث عن تلك البرامج، المتوسطة والطويلة المدى، التي تؤهل من ينخرط فيها للعمل في الأسواق العالمية.
ومن يقرأ خطة 2030 بتمعن يدرك أنها ترتكز أساسا على مهمة تأهيل الموارد البشرية البحرينية كي تكون قادرة على تلبية سوق العمل المحلية.
أولا، والمنافسة في العلمية منها على حد سواء.
الثاني، هو الاستثمار في مشروعات تتطلب رأسمال مغامر (Venture Capital)، وهو رأسمال جريء يتكئ على سيولة كبيرة تبيح له درجة أعلى من المغامرة المبنية على دراسات علمية رصينة. ولابد وأن يكون هذا الاستثمار في صناعة مستقبلية مثل صناعة تقنيات المعلومات والاتصالات كي تؤهل البحرين كدولة، وتمدها بالقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.
الطلب الثاني الذي يمكن أن تتقدم به البحرين، دون خجل أو مواربة، هي أن تساهم الشقيقة السعودية في انتشال البحرين من التراجع الذي يعاني منه نظام الخدمات الصحية في البحرين، بشقيه الحكومي والخاص، والذي أفصحت عنه البحرين في المناقصة الضخمة التي بلغت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، والتي لاتزال قيد المعالجة، رغم مضي أكثر من عامين على فتح مظاريف المتنافسين فيها، والهادفة إلى شكل متقدم من أشكال الخصخصة. يمكن للرياض هنا أن تلبي الطلب البحريني من خلال التعاون المشترك المبني على شفافية مطلقة بين الطرفين، تبحث في كيفية مساهمة السعودية، من خلال بحث مختلف أشكال التعاون بين المستشفيات القائمة في البلدين، أو تلك التي يمكن بنائها عبر خطط مستقبلية مدروسة. المطلوب هنا، مشاركة الدولة السعودية، وموافقة الدولة البحرينية، ومن منطلقات سياسية على التعاون المشترك في رفع مستوى الخدمات الصحية في مملكة البحرين. هذا على المستوى السياسي، على أن يترافق ذلك مع إفساح المجال أمام الرأسمال الخاص كي يكون عاملا مهما في تلك المعادلة، على المستوى الاقتصادي والاستثماري.
الطلب الثالث الذي يمكن أن تضعه البحرين على طاولة المحادثات يتعلق بشبكة الاتصالات على مستوى منطقة الشرق الأوسط، والتي تمتلك البنية التحتية في البحرين، ومستوى التشبيك الفيزيائي الأرضي، والاتصالي الفضائي فيها مكانة متميزة مقارنة مع شقيقاتها من دول مجلس التعاون الأخرى.
يمكن لهذه القمة الثنائية أن تضع أمامها خطة إستراتيجية طويلة المدى تنطلق من اتفاق مشترك، يعمل على تطوير تلك البنية وذلك التشبيك كي يؤهل البحرين لأن تكون المركز الرئيسي لشبكة الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط.
هذا الأمر يتطلب مستو عالٍ من التنسيق السياسي، مدعوم بثقل سياسي من حجم ذلك الذي تتمتع به السعودية على الصعيدين الخليجي والعربي. وفوق هذا وذاك، لابد من توفير رأسمال ضخم، أكبر بكثير من إمكانات البحرين، على المستويين الحكومي والقطاع الخاص، في حين بوسع كل النظيرين العام والخاص في السعودية تحمله، دون أي عبء يذكر، مقارنة بذلك الذي يمكن أن تتحمله البحرين.
قد تبدو هذه النقاط ثانوية في رأي البعض، وربما هامشية من وجهة نظر البعض الآخر، الذين قد يدعون إلى مناقشة أمور أكثر إستراتيجية منها من وجهة نظرهم، لكنها، في حقيقة الأمر، إذا ما أعطيت الاهتمام الذي تستحقه، ووضعت في خطة مدروسة، فستجد القمة نفسها أمام مشروع تنسيقي ضخم يمكنه أن يساهم في دفع أمور إستراتيجية أخرى نحو الأمام.
ليس هناك جدال في أن جدول أعمال قمة المنامة مكتظ بالقضايا الإستراتيجية، التي ينبغي أن تعطى الأولوية، لكن هناك الكثير الآخر من الأمور الأقل إستراتيجية، والتي لا ينبغي أن تهمل. وإن كان على القمة أن لا تهاب القضايا الكبرى، فمن واجبها أيضا أن لا تتعالى على الأمور الصغرى.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2782 - الإثنين 19 أبريل 2010م الموافق 04 جمادى الأولى 1431هـ