العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ

المواطنة ... وتكافؤ الفرص

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اتفق المؤتمرون المشاركون في مؤتمر المواطنة وتكافؤ الفرص الذي عقد في 21 فبراير/ شباط 2009 على أن تحقيق المواطنة يصبح ممكنا عند توافر المعطيات الآتية:

-1 إحلال الأجندة الوطنية في النضال نحو تكافؤ الفرص.

-2 التوزيع العادل للثروة.

-3 تجنب الفرز الطائفي لمؤسسات المجتمع المدني.

-4 عدم الاستئثار بالسلطة ومحاربة الفساد.

أن خروج المؤتمر بتوصيات تدعو لسيادة القانون والعمل وفقا لمبدأ فصل السلطات وتفعيل مبدأ المواطنة على أسس من العدالة ورفض التمييز تكشف عن قناعة بوجود إشكالية هيكلية كبيرة في بنية المجتمع تتعلق بتحديد مفهوم المواطنة، هذا المفهوم الذي مازلنا عاجزين عن بلورة اتفاق بشأنه مما يفسر غياب الاستقرار وتعثر البرامج التنموية الشاملة التي لا يتعافى المجتمع بدونها.

وعند الحديث عن الجدارة وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة الكاملة فعلى الجميع تغليب المواطنة على الأيديولوجيات المختلفة بالعمل لا بالقول فقط، والتفكير بعقلية وطنية لا بعقلية حزبية أو فئوية أو قبلية. فالأيديولوجي أو الحزبي الذي يفكر بعقلية جمعيته فقط فإنه بذلك يتساوى مع التفكير القبلي أو الفئوي عند ممارسته لأدنى مستوى من السلطة التي قد تمنح له، فيسعى للاستئثار وتهميش غيره. وهذا ما كشفت عنه الصراعات والتجاذبات الضيقة التي شابت الانتخابات البرلمانية حين انشغلت بعض الجمعيات ببعضها، وغاب التوافق على الأمور العامة رغم ما يتعرض له الجميع من مخاطر.

من هنا فإن توصيات المؤتمر بالرغم من أهميتها لن تكون مؤثرة إلا إذا بدأ تفعيلها من الداخل لكي تأخذها الجهة الرسمية على محمل الجد.

من جهة أخرى، فإن تطبيق نظام الجدارة عملية في غاية التعقيد حتى عندما تكون النية في العمل به صادقة. لذلك لجأت دول كالولايات المتحدة الأميركية إلى نماذج عدة ومتمازجة كالجمع بين المحاصصة أو النسب والجدارة للوصول إلى هدف تكافؤ الفرص من دون التضحية بالجودة والكفاءة.

ولإعطاء القارئ نبذة عن مبدأ الجدارة يسلط هذا المقال الضوء على بعض من نماذجه:


نظام الجدارة

يُعرَّف نظام الجدارة MERIT SYSTEM على أنه نظام للتعيين والترقية على أساس من الكفاءة بدلا من اعتماد أسس الانتماء السياسي أو الولاء الحزبي، Political Affiliation، أو ما يعرف بنظام الرعاية السياسية Political Patronage، والتي على أساسه يتم توزيع الوظائف الحكومية كمكافأة لمنتسبي الحزب ومناصريه، دونما اعتبار لمعيار الكفاءة والجدارة وحقوق المواطنة والمساواة.

وقد أثبتت التجارب في عديد من الدول أن إغفال نظام الجدارة يضر بكفاءة الجهاز الإداري وبسمعته وقدرته على الاطلاع بدوره، وفي ذلك عرقلة لجهود التنمية الاقتصادية. ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلا تم إلغاء نظام المحاباة Spoils System العام 1870 ضمن حركة لإصلاح الخدمة المدنية حيث صدر العام 1883 قانون «بندلتون» الذي اعتمد نظام الجدارة وعمل بنظام الاختبارات والمنافسة لتقييم كفاءة المرشحين ضمن نظام للمحاصصة يستند على الكثافة السكانية وتحت شعار مزيد من الخبرات وقليل من تسييس المناصب الحكومية غير السياسية.

وقد تطور هذا النظام في القرن الماضي لما يعرف الآن بنظام EEO آي تساوي فرص العمل. وحسب المعاينة الشخصية لإجراءات التطبيق والرقابة على هذا النظام في الولايات المتحدة الأميركية يمكن القول بأن الفضل لتبوء بعض الأقليات مناصب عليا في القطاعين العام والخاص هناك يعود إلى تبني نظام الجدارة وتكافؤ الفرص.


آليات مختلفة للاختيار

أ. الجدارة: MERIT SYSTEM من متطلبات تطبيق هذا النظام الذي يستند في جوهره على نصوص دستورية وقانونية، ما يأتي:

- الإعلان عن الوظائف الشاغرة ضمن مفهوم الشفافية وحرية توفير المعلومات.

- وضع آلية لاختبار قدرات المتقدمين ضمن مفهوم المنافسة.

- تشكيل لجان محايدة لضمان النزاهة في الاختيار.

ب. الجمع بين الكوتا والجدارة:

وهذا النظام يجمع بين المحاصصة والجدارة لضمان عدم التضحية بالكفاءة عند الأخذ بنظام الحصص، كما يضمن الحياد وتمكين الأقليات المهمشة، ومنع ممارسات التمييز التي ربما لا يمكن ضبطها باعتماد نظام الجدارة وحده.

وقد انبثق هذا النظام من مبدأ المساواة المسمى بـ Affirmative Action والذي هو عبارة عن مجموعة من السياسات الهادفة إلى القضاء على التمييز بكافة أشكاله. ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلا انبثق هذا النظام العام 1965 في عهد الرئيس الأميركي لندون جونسون الذي أصدر قرارا إداريا للتأكيد على معاملة المواطنين عند التوظيف دونما اعتبار للأصل أو الجنس أو اللون. على إثره تشكلت جمعيات غير حكومية لمراقبة تنفيذ هذه السياسات على المستوى الوطني. ويعتبر نظام الكوتا وسيلة لتمكين الفئات المحرومة من المساواة في المجتمع والتي لا تستطيع نيل الحقوق الدستورية وحقوق المواطنة بالطرق التقليدية بسبب الأساليب التي تتبعها الأجهزة التنفيذية للالتفاف على القانون.

جـ. نظام المحاباة Spoils System، وهو الذي يتم من خلاله توزيع الوظائف الحكومية كمكافأة لاعتبارات سياسية دونما اعتبار لحقوق المواطنة التي تنص عليها أحكام الدستور أو القوانين المحلية والاتفاقيات والعهود الدولية. ويتجاهل هذا النظام مبدأ تكافؤ الفرص وقوانين عدم التمييز. وعادة ما ينتج عنه انحدار في مستوى أداء المؤسسات الحكومية وانتشار للفساد والمحسوبية التي تؤثر بدورها على جهود التنمية الاقتصادية، وتزعزع ثقة المواطن في أجهزته الإدارية ونظامه السياسي ومن ثم إضعاف روح الولاء والانتماء. من هنا تكمن خطورة العمل بهذا النظام حيث أثبتت تجارب كثير من الدول، أن الاستئثار بالمنافع بحجة الخوف من غياب عنصر الولاء لدى الآخر يجذر الشعور بعدم الولاء بانتفاء عامل المصلحة من موالاة النظام السياسي، والعكس صحيح.

نظام الجدارة في التشريع البحريني:

- ميثاق العمل الوطني:

يستند نظام الجدارة على أسس دستورية تنص على العدالة وحقوق المواطنة التي تقرها الدساتير العالمية والقوانين الدولية. ففي مملكة البحرين اعتبر الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين من أهداف الحكم وأساسه ومن المقومات الأساسية التي لا يجوز لأي من السلطات الخروج عنها أو تجاوزها. واعتبرها من القيم الرفيعة التي تتمسك بها مملكة البحرين ويقع على الدولة عبء كفالتها للمواطنين جميعا.

- الدستور:

نص دستور مملكة البحرين في المادة الرابعة من الباب الثاني على أن العدل أساس الحكم وأن تكافؤ الفرص بين المواطنين من دعامات المجتمع التي تكفلها الدولة، كما نصت المادة (16) على تساوي المواطنين في تولي الوظائف العامة.

ونصت المادة (18) على تساوي المواطنين ولا تتميز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. واعتبر الدستور هذه المبادئ من صلب جوهر الحق والحرية التي لا يجوز أن ينال منها أو ينقصها أي تنظيم.

ونصت المادة (16) من الدستور على تساوي المواطنين في تولي الوظائف العامة وتركت للقانون تنظيم شروطها.

- قانون الخدمة المدنية:

على هذه الخلفية تضمن قانون الخدمة المدنية رقم (35) الصادر في 30 يوليو/ تموز 2006 الآليات التي تفعل مبادئ الجدارة والمساواة حيث اشترطت المادة (13) من الفصل الثاني لزوم اجتياز من يعين في إحدى الوظائف الامتحان الخاص لشغل الوظيفة مع إلزام ديوان الخدمة المدنية في المادة (14) بالإعلان عن الوظائف الشاغرة في وسائل الإعلام المحلية.

كما نصت المادة (25) من الفصل الرابع على وجوب استناد الترقية على أساس الجدارة التي تبنى على عناصر الأداء والخبرة والمؤهل العلمي والأقدمية.

من الواضح أعلاه أن لنظام الجدارة آلياته، وأن تحقيق تكافؤ الفرص لا يعتمد بالضرورة على نموذج واحد من نظم الجدارة. إلا أن الأخذ بأي من نماذجه يعتمد قبل كل شيء على قرار وإرادة سياسية. فإذا لم تتوافر هذه الإراده فإن الحديث عنه يصبح محض رفاهية. ومن جهة أخرى، فإن الدساتير والقوانين التي تنص في طياتها على مبدأ الجدارة تبقى غير نافذة من دون إرادة سياسية وأجهزة رقابية كديوان للرقابة الإدارية، وأجهزة تشريعية. والمفارقة التي تقع فيها بعض الجمعيات السياسية التي تدعو للأخذ بمبدأ الجدارة هي أنها ترفض في الوقت ذاته ومن داخل السلطة التشريعية إنشاء ديوان للرقابة الإدارية تكون مهمته التحقق من تطبيق مواد القانون المتعلقة بالجدارة. وهنا تكمن الصعوبة في إدراك حجم التضحيات اللازمة للعمل وفق مبدأ العدالة لتأسيس دولة القانون التي يكمن في عدم تكاملها سر تخلفنا واضطراب شئوننا.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً