شكّل إنشاء مجلس حقوق الإنسان بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 251/60 في العام 2006 الركيزة الأساسية لتطور جهود المجتمع الدولي في مجال حماية وصيانة وتعزيز حقوق الإنسان وهو المحفل الرئيسي المعني بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعلى أساسه صدرت مجموعة الأطر لبناء المؤسسة بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم 1/5 في يونيو/ حزيران 2007 والذي وفّر المعايير التي يسير عليها المجلس في أعماله المستقبلية، وقد كان من ضمن تلك الخصائص استحداث «آلية الاستعراض الدوري الشامل» والتي تقيّم واقع حقوق الإنسان في الـ192 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة بالاعتماد على مجموعة من الأسس المعيارية العالمية كميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والصكوك الدولية في مجال حقوق الإنسان. وقد اختتمت جلسة مجموعة العمل الرابعة قبل أيام قليلة أعمالها، مستعرضة وضع حقوق الإنسان في 64 دولة خلال فترة عام واحد.
ومن هنا تأتي أهمية مشاركة مملكة البحرين في هذا الاجتماع، فهي مناسبة لتؤكد الدول المجتمعة على التزامها واحترامها لما تضمنه قرار إنشاء مجلس حقوق الإنسان، وهي في الوقت ذاته تمثل وقفة صادقة لتقييم جهودنا جميعا من أجل تحقيق ما استهدفه إنشاء المجلس.
ونحن في مملكة البحرين نسعى بكل جد ومثابرة لنشر ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بالضمانات القانونية والعملية لهذه الحقوق في المجتمع، وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات المختصة بالدولة، ومثال لهذه الجهود، تقرير مملكة البحرين في الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان الذي تم عرضه على مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 7 أبريل/ نيسان 2008, والذي اعتمد في 9 يونيو 2008 كأول دولة في العالم تخوض تلك التجربة الفريدة، حيث أشاد جميع المتابعين والمهتمين بمسائل حقوق الإنسان في العالم بتجربة مملكة البحرين المميزة في هذا المجال.
إن مملكة البحرين من خلال مشاركتها في عملية المراجعة أعدت وقدمت تقريرا عن «حالة حقوق الإنسان على أرض الواقع» في البلاد وقد تم ذلك بالتشاور الكامل مع مؤسسات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة الآخرين على الصعيد الوطني عبر عملية اتسمت بالشفافية والمصداقية والمشاركة الواسعة.
وقد تضمن التقرير من ضمن جملة أمور، عددا من الالتزامات الطوعية التي تعهدت بها مملكة البحرين وذلك سعيا منها لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان على أرض الواقع. وتم اعتماد خطة وطنية طموحة بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وأصحاب الشأن تتعلق بتنفيذ تعهدات والتزامات ونتائج المراجعة الدورية الشاملة الخاصة بمملكة البحرين، حيث قبلت المملكة جميع التوصيات المقدمة إليها في إطار آلية المراجعة.
وقد جاءت هذه الإنجازات مع انطلاقة المشروع الإصلاحي لحضرة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي شمل عدة مجالات منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحماية وتعزيز حقوق الإنسان التي تعتبر حاجة ماسة وليست ترفا أو خيارا قد نأخذ به اليوم ونتركه في الغد. وتم التأكيد على مسألة تمكين المرأة البحرينية ومركزية دورها في عملية التنمية خلال المؤتمر الوطني بشأن إدماج النوع الاجتماعي في التنمية تحت شعار: شراكة عادلة بين المرأة والرجل، الذي نظمه المجلس الأعلى للمرأة في مملكة البحرين يومي 9 و10 يونيو 2008.
وقد حازت المرأة البحرينية بكفاءتها وتميّزها على تقدير القيادة السياسية في المملكة حيث تبوأت مراكز صنع القرار على المستويين الوطني والعالمي.
وجاء اعتماد اليوم الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام اعتبارا من الأول من ديسمبر 2008 يوم المرأة البحرينية، إنجازا وطنيا وشهادة تقدير لمسيرة العمل الطويلة للمرأة البحرينية واعترافا بأهمية دور المرأة كشريك جدير في مسيرة البناء والتنمية الوطنية.
كما تنظم مملكة البحرين حاليا، تحت رعاية كريمة لحضرة صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، المؤتمر الدولي «الاتجار بالبشر عند مفترق الطرق» ليكمل الجهود التي سبقته ولينتقل بها إلى مستوى جديد من العمل والإنجاز واقتراح المزيد من الحلول لقضايا الاتجار بالبشر وتعزيز وحماية حقوق العمالة الوافدة.
إن مملكة البحرين تؤمن بأن مسألة حقوق الإنسان قضية متكاملة لا تتجزأ وعليه تؤكد مجددا التزامها باحترام وحماية حقوق الإنسان على أراضيها، وتعزيز حقوق الإنسان على مستوى العالم، كما تؤكد على مبدأ عالمية حقوق الإنسان وضرورة السعي الدائم مع جميع الدول لنشر ثقافة حقوق الإنسان في جميع أرجاء العالم، وعليه، رحبت مملكة البحرين العام 2006 بإنشاء مجلس حقوق الإنسان؛ ومن دواعي فخرنا واعتزازنا، أيضا، أن مملكة البحرين كانت من طليعة الدول التي فازت بعضوية مجلس حقوق الإنسان.
ولقد تمت إعادة انتخاب مملكة البحرين لعضوية مجلس حقوق الإنسان في 21 مايو/ أيار 2008، حيث أحرزت المملكة أغلبية 142 صوتا من أصل 192 صوتا. وهذا في الواقع يعد انجازا تعتز به البحرين وتنظر إليه نظرة الجد والمسئولية لما تتطلبه العضوية في هذا المجلس من التزام بأعلى معايير حقوق الإنسان على المستويين الوطني والعالمي، وبمشاركة المعنيين بالأمر الذين تعتبرهم شركاء أساسيين لها في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وبمناسبة احتفال العالم بالذكرى الستين لاعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يفوتني أن أشير إلى الدور المهم الذي قام به هذا الإعلان في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان وعلى أساسه صدرت العديد من المواثيق والصكوك الدولية المهنية بحقوق الإنسان بدءا من الإعلانات الدولية وانتهاء بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وفي إطاره تعاظمت أنشطة وفعاليات المجتمعات الوطنية والعالمية لتأكيد احترام حقوق الإنسان ولاسيما الحريات الأساسية باعتبار أن احترام هذه الحقوق هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
إن مملكة البحرين ترحب بمؤتمر دربن الاستعراضي المزمع انعقاده خلال الفترة من 20 إلى 24 من شهر أبريل 2009 بجنيف، وتأمل أن يشارك المجتمع بفعالية في هذا الاجتماع الدولي، وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة منه.
كما تدعو مملكة البحرين إلى التعاون والتضامن الدولي في مواجهة الممارسات العنصرية المتطرفة التي تسيء لمعتقدات وأديان الشعوب ورموزها كالنبي محمد (ص) والنبي عيسى (ع).
إن مملكة البحرين تود أن تؤكد أن موضوع حقوق الإنسان يمثل ركيزة محورية ومسئولية مشتركة لكل دول العالم من دون استثناء، وأن من واجب هذه الدول احترام هذه الحقوق التي من ضمنها تلك الحقوق التي تكفل للشعوب الواقعة تحت الاحتلال الأجنبي حقها في تقرير المصير.
إن المجتمع الدولي اليوم مطالب بمساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق آماله وتقرير مصيره ورفع المعاناة عن سكان قطاع غزة الذي عانى كثيرا من جراء الحصار المفروض عليه ومن خلال العدوان الإسرائيلي الأخير الذي شنه ضده والذي أوقع الكثير من الضحايا والجرحى الأبرياء بين صفوف المدنيين.
إن احترام حقوق الإنسان وتنميتها على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستعزز من مصداقية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويساعد كثيرا في حفظ السلم والأمن الدوليين ويصون كرامة الإنسان أينما كان وأينما وجد.
إقرأ أيضا لـ "نزار البحارنة"العدد 2371 - الثلثاء 03 مارس 2009م الموافق 06 ربيع الاول 1430هـ