خلال السنوات الأخيرة عاشت منطقة الخليج طفرة في الصناعات الفنية سواء أكانت تلفزيونية أو موسيقية غنائية أو حتى سينمائية...، ولعل تزايد عدد المهرجانات والمناسبات والمحافل التي تستضيفها هذه المنطقة، جزء من مشروع كامل لجذب الانتباه وتسليط الضوء على المشاريع المتزايدة للتطوير وإنماء هذا القطاع.
ويأتي «مهرجان الخليج السينمائي 2010» في دورته الثالثة، الذي استضافته الأسبوع الماضي إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حافلا بعدد كبير من المشاركات السينمائية متنوعة التصنيف والقوالب العربية منها والأجنبية، ليؤكد أن هذا المشروع سيتحول مع الوقت - أو للدقة ( سيتحول قريبا) - من محاولات ومساع إلى تجربة حقيقية مصنفة بحد ذاتها، قادرة على الإنتاج الذاتي، وعلى صوغ ملامحها بشروطها وبما يتناسب مع تجربتها الاجتماعية والثقافية.
وقدم المهرجان لهذا العام ما يزيد على 190 فيلما من 41 دولة حول العالم، عرضت على مدار أسبوع كامل، وإن كان ما يقارب النصف من الأعمال المشاركة من دول غربية على رأسها الأعمال البلغارية، إلا أن تزايد عدد الأعمال الخليجية وفي طليعتها السعودية والعراقية التي حققت جوائز مميزة في الدورة السابقة للمهرجان، والبحرينية، والموزعة على عدة أقسام (فلام قصيرة ووثائقية قصيرة وطويلة، روائية طويلة، وأفلام تحريك أو «أينيميشن»)، كان مؤشرا على زيادة الوعي والجرأة من قبل المهتمين والعاملين في هذا المجال بضرورة نقل تجاربهم إلى مستويات أعلى وأضخم.
ويرى المتابعون لمجال صنعة السينما في منطقة الخليج، أن الحضور الإعلامي والفني الكبير الذي يرافق هذا المهرجان سيقدم دعما كبيرا له، وسيحول المنطقة، بالإضافة إلى مجموعة من العوامل الأخرى، من منطقة متلقية للإنتاج السينمائي الدرامي والوثائقي العربي والأجنبي إلى منتج حقيقي، ولاعب يشارك عن جدارة وبحضور قوي.
وعلى رغم أن الجانب الإيجابي للمهرجان هو الذي يستحوذ على الصورة الإجمالية للأعمال السينمائية المشاركة بمختلف أشكالها، فإن الكثير من الأسئلة والانتقادات توجه إلى الموضوع بتفاصيله، من دون النظر إلى مجمل الصورة، وإن كانت هذه التفاصيل ذات أولوية حقيقية يقوم عليها العمق الحقيقي لأي مشروع إبداعي في أي مكان.
فعلى رغم أن المواضيع أكثر تنوعا وجرأة في هذا الموسم لإإن العمق في المعالجة كان محط الانتقاد بالتأكيد، فكثيرة هي الأعمال التي تبحث عن مواضيع مهمة وذات أولوية للطرح والمعالجة في مجتمعاتنا، إلا أن التخوف والتردد أمام مجموعة من الثوابت الاجتماعية، تسطح وتبعد العمل عن المعالجة المتأنية والجريئة والمتمردة أحيانا أخرى.
في مقابل المنتقدين الباحثين عن أية ثغرات في هذا النوع من المحافل، هناك من بات ينظر بشكل جدي غير مجامل إلى نصف الكأس الممتلئ، وخصوصا ضمن معطيات وحيثيات التجربة، فالتجربة السينمائية الخليجية على رغم قدم محاولاتها وتجديد الروح فيها في السنوات الأخيرة، فإنها تحاول أن تواكب العصر وتستثمر ما وصلت إليه التجارب الأخرى القريبة والبعيدة، ويظهر هذا جليا في حجم الإنفاق والاستثمار العالي الذي بات يوظف في هذا القطاع، سواء أكان على مستوى تزايد عدد الأعمال المنتجة أو تطوير الأكاديميات المختصة التي مازالت بحاجة إلى المزيد من الوقت للوصول إلى المرتقب منها، أو حتى من خلال تنظيم عدد كبير من الاحتفالات والمهرجانات التي تمنح وجوها شابة الفرصة للوجود تحت الأضواء، وتقربها من وسائل الإعلام - اللاعب الأساسي في زيادة الوعي والإقبال على السينما المحلية الراقية.
ويبقى أن نقول إن التكريمات التي جرت على هامش المهرجان، كانت عنوانا آخر ومميزا في هذا التجمع، كونها منحت الكثير من الأسماء اللامعة التي قدمت بسخاء طوال سنوات لهذا الصنعة في دولها، فرصة لتفتخر بتجاربها ولتنال ما تستحقه من تقدير.
العدد 2780 - السبت 17 أبريل 2010م الموافق 02 جمادى الأولى 1431هـ