نشر موقع شبكة (سي إن إن) مقالة قصيرة حول العلاقة بين الخصوصية الفردية والثورة الرقمية، نقل فيها تصريحا أدلى به مدير اتحاد الحريات المدنية لمشروع الخصوصية التابع للاتحاد الأميركي للحريات المدنية دوج كلاندر، قال فيه «إن كل شيء تقريبا تفعله في مجتمع اليوم ينطوي على ترك آثار خلفك يتعقبها كثيرون ويبدأ الأمر لحظة استيقاظك من النوم، تتحرك حولك وتترك آثارا رقمية، فإن صعدت إلى حافلة ودفعت الأجرة ببطاقة، يمكن تتبع ذلك، وإذا كنت تقود سيارتك هناك كاميرات فيديو تتعرف على أرقام اللوحات، مضيفا، إن كنت في أي مكان وأي وقت وكان لديك هاتف محمول واستخدمته، فإنه متصل مع أبراج الإرسال التي يمكنها تحديد موقعك في حدود نحو 20
مترا».
وذيل الموقع تلك المقالة المكثفة، بنتائج كشفها مسح سنوي صدر الشهر الماضي عن شركة «جوفيلن» للبحوث الإستراتيجية، جاء فيه «أنه من الممكن أن تتعرض معلوماتك الشخصية لمخاطر أعلى، ففي العام الماضي كان أكثر من 11 مليون مستهلك في الولايات المتحدة الأميركية ضحية لسرقة الهوية، ووجد أن أهم هدف للسرقة هم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما».
ليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها مثل هذه القضية، وهي القدرة التي باتت تتيحها الثورة الرقمية لمن يريد اقتحام الخصوصيات، ليس في نطاق الأنشطة الاجتماعية، وإنما أيضا، إلى ما هو أخطر من ذلك مثل المعلومات الصحية للإنسان، أو الممتلكات من أموال وموجودات أخرى، قد لا يرغب ذلك الإنسان، ولأسباب كثيرة في الإفصاح عنها، وخاصة لمن يعتقد أنه ليس لهم علاقة بها. لكن قبل ولوج ذلك البحر المتلاطم من الاجتهادات في تحديد ذلك الخط الذي يفصل بين ما تحققه الثورة الرقمية من إمكانات للوصول إلى المعلومات، وبين قدرة الإنسان على إخفاء القسط الذي يريده منها، والاحتفاظ بها في النطاق الذي يحدده هو لها، لاستكشاف أو بالأحرى رؤية ذلك الشاطئ الأخير الذي سترسو عنده، لابد من التوقف عند تعريف ما هي الثورة الرقمية أولا، لأن هناك الكثير من الاختلافات بشأن ذلك التعريف، وأيضا ما هي الخصوصية الفردية، وأين تقف حدودها مقارنة مع المعلومات العامة، وهي الأخرى ما تزال مثار الكثير من الجدل.
يشاركنا هذا الرأي، بشأن الاختلاف حول مفهوم الثورة الرقمية، مدير شبكة «بعد الرحيل» الإلكترونية زين العابدين خالد الذي يؤكد على وجود «مفاهيم كثيرة للثورة الرقمية»، لكنه يختار أكثرها بساطة فيعتبر الثورة الرقمية هي «كل أشكال المعلومات يمكن أن تصبح رقمية؛ النصوص، والرسومات، والصور الساكنة والمتحركة، والصوت. وتلك المعلومات يتم انتقالها خلال الشبكة بواسطة أجهزة إلكترونية وسيطة (الكمبيوتر – الهاتف)، تماما كما يتم انتقال رسالة تقليدية بمظروف خلال عدة مكاتب للبريد، حتى تستقبل في النهاية بنقطة معينة، بما يضمن تحقيق الشبكات الحالية للاتصالات بين نقاط عديدة، والتي يمكن من خلالها تخزين وتوزيع كم هائل من المعلومات الرقمية المستمرة في التزايد المطرد».
ومن الثورة الرقمية ننتقل إلى الخصوصية الفردية التي يربطها البعض، مثل «مركز التميز لأمن المعلومات»، التابع لجامعة الملك سعود، بالسعودية، بدرجة كبيرة بموضوعة حقوق الإنسان، حيث يعتبر، فهد عبدالعزيز، المادة 15 من إعلان حقوق الإنسان الصادر في العام 1984، مرتكزا أساسيا يبني عليه مقومات الخصوصية الفردية. وتنص تلك المادة على ضرورة حماية أي شخص ضد أي «تدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو رسائله، أو شن حملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في طلب حماية القانون له من مثل هذه التدخلات أو تلك الحملات». لكن المركز يعود ويستدرك كي يؤرخ لبروزها في العام 1858 عندما «قامت الحكومة الفرنسية بإصدار قرار يُمن فيه نشر الحقائق المتعلقة بخصوصية الأفراد، بجانب فرض العقوبات لمن يقوم بمخالفة أمر هذا القرار». ثم يعود المركز كي يحذر من صعوبة القيام بتحديد تعريف للخصوصية، «وذلك لارتباطها بالانتماءات الدينية والعادات والقيم في المحيط الذي يعيش فيه الشخص»، ويكتفي بالقبول بوجود « نصوص تكفل حماية هذا الحق وتعدِد صور الاعتداء عليه». لكنه ينجح في نهاية المطاف في تحديد ثلاثة أشكال من الخصوصية الفردية هي: «المادية، والمعلوماتية، والتنظيمية». ويستعين عبدالعزيز، في تحديده لمفهوم الخصوصية، بأفكار وطروحات مفكرين من أمثال القانوني آلن ويستين الذي يعتبر الخصوصية بأنها «حق الأفراد أو الجماعات في أن يقرروا بأنفسهم زمن ومدى وكيفية مشاركة المعلومات الشخصية مع الآخرين».
ولا بد من الإشارة هنا إلى ما حظيت به هذه العلاقة بين الثورة الرقمية والخصوصية الفردية من اهتمام عربي عبرت عنه مجموعة من اللقاءات وورش العمل والمؤتمرات من بينها تلك الندوة التي عقدها، النادي العربي للمعلومات فرع الأردن خلال يومي 16-17 أكتوبر/ تشرين الأول 2002، تحت عنوان (أخلاق مجتمع المعلومات)، توزعت أعمالها على محاور ثلاثة هي: «حماية الملكية الفكرية، الحفاظ على الخصوصية وحماية الشبكة - الملكية الفكرية». وكان في ورقة عفاف شمدين وحسين الإبراهيم من سورية المعنونة «المعلوماتية ودورها في حماية الخصوصية الفردية مقابل الأمن الجماعي والمصلحة العامة»، الكثير من النقاط بشأن المخاطر التي تشكلها الثورة الرقمية على الخصوصية الفردية، من خلال الإشارة إلى أن مع «التقدم التكنولوجي وتطوره أصبحت إمكانية انتهاك هذه الخصوصية للفرد سهلة وميسرة من خلال عدة وسائل من أهمها البيانات التي يتم تجميعها عن الفرد من جهات مختلفة وتخزينها من بنوك معلومات، وإمكانية الربط بين هذه المعلومات وتحليها ونقلها إلى جهات أخرى واستغلالها لأغراض غير التي قدمت من أجله دون علم الفرد نفسه».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2779 - الجمعة 16 أبريل 2010م الموافق 01 جمادى الأولى 1431هـ
زمن التمسج الثورة الرقمية انتهى ويجب إحالة المسيئين إلى القضاء
الثورة الرقمية في ظل التجديات الإدارية ... الواقع يشهد بأن الثورة الرقمية لا تمشى في خط متوازي مع منج الإدارة العصرية ونعني هنا إلى حديثي النعمة بالوظيفة الإدراية .. تصوروا إدارية لديها عجز رهيب في أداؤها تمنح دورة دراسية لمدة إسبوعين في لندن وبكلفة أكثر من 20 ألف دينار في الوقت الذي تم تقنين الصرف على بند العمل الإضافي ..مع تحيات (ندى أحمد)