يطمح الملايين من العراقيين أن تتمكن الحكومة العراقية المقبلة من معالجة موضوع البطالة والفقر وتوفير فرص للعمل، وخصوصا أن أعدادا كبيرة من العاطلين يحملون الشهادات الدراسية الجامعية والمعاهد الفنية، فيما اضطر آخرون إلى ترك الدراسة للبحث عن فرص عمل، وخصوصا الأطفال.
تشكل البطالة وتوفير فرص عمل للعراقيين أحد أكبر الملفات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة. وذكر المواطن العراقي، عبد المنعم لوكالة الأنباء الألمانية: «مطلع تسعينيات القرن الماضي، حصلت على شهادة البكالوريوس من كلية الإدارة والاقتصاد وبسبب الظروف الاقتصادية القاهرة في هذه الحقبة، جراء استمرار الحصار الاقتصادي، قررت العمل في مجال بيع الملابس المستعملة لأن العمل الوظيفي لم يكن مجديا والرواتب لم تكن لتكفي أكثر من أسبوع، جراء الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية».
وأضاف: «بعد العام 2003 كنا نتوقع أن تتحسن الأوضاع لنحصل على فرص عمل لكن الحال أصبح أكثر تعقيدا بسبب انحسار التعيين على المقربين من قادة الأحزاب والمسئولين بالحكومة بعد أن أصبحت الوظيفة الحكومية هدفا مهما للجميع، حيث الرواتب الجيدة والحصول على القروض من المصارف».
وأوضح: «في أماكن كثيرة كان الحصول على وظيفة يتم من خلال دفع رشا... مثل الانتساب لقوات الجيش، أوالشرطة، أو التعليم». وأخير ومنذ أكثر من عامين بدأ العيساوي يزاول «مهنة بيع الفاكهة والخضار في سوق شعبي وأحصل على دخل جديد لكنني مازلت أسعى للحصول على وظيفة حكومية من أجل تأمين دخل شهري ثابت لعائلتي».
23 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر
وفقا لإحصاءات حكومية تستند على مسح شامل عن التشغيل والبطالة خلال الأعوام الماضية، كان أخرها العام 2008، جرى بتوصيات من منظمة العمل الدولية، بلغ معدل البطالة بين السكان في عمر 15 سنة فأكثر 15 في المئة، للجنسين. ويصل معدل البطالة بين الذكور إلى 14في المئة، والإناث 19 في المئة. كان أعلى معدل للبطالة في الفئة العمرية 15 - 19 سنة، إذ بلغ 34 في المئة، في حين كان المعدل الأقل بين حاملي درجة الدكتوراه، حيث بلغ نحو ثلاثة في المئة. وأظهرت النتائج تراجعا بنسبة 12 في المئة عن معدلات العام 2006 حيث كان معدل البطالة 17 في المئة العام 2006، وبشكل عام شهدت معدلات البطالة انخفاضا واضحا خلال السنوات الماضية، ففي العام 2003 كانت نسبة البطالة 28 في المئة، انخفضت إلى 26 في المئة العام 2004 وإلى 18 في المئة العام 2005.
يفترش الآلاف من العراقيين، من الجنسين، بينهم أطفال في الدراسة، الأرصفة والأسواق والشوارع الكبرى لممارسة مهن متنوعة، تشمل بيع الملابس والمواد الغذائية والأجهزة المنزلية والأقراص المدمجة والتجهيزات الرياضية والأدوية والمستلزمات الطبية، وينتشر آخرون عند التقاطعات المرورية وبين السيارات لبيع المناديل الورقية والصحف ومواد غذائية وعطور وإكسسوارات وغيرها. أظهرت إحصائية أخرى للجهاز المركزي للإحصاء، وخصوصا بالمسح الاجتماعي والاقتصادي للأسر العراقية، أن قيمة خط الفقر الوطني بلغت 77 ألف دينار للفرد شهريا ( الدولار يعادل 1170 دينارا عراقيا) وهذا يعني أن 23 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر. وقال فلاح عبد الكريم (48عاما) متقاعد إن «معالجة موضوع البطالة والفقر يبدأ أولا من إعلان الحكومة العراقية إصلاحات جذرية وتخفيض رواتب وامتيازات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان والوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة والمستشارين، إلى أدني النسب، لأن رواتب هذه الفئة ترهق الموازنة العامة وتشجع على الفساد لأننا نتحدث عن ملايين الدنانير، فيما يبلغ راتب المتقاعد العراقي 15 ألف دينار شهريا تمنح كل شهرين». وأضاف عبدالكريم: «لا توجد عدالة في توزيع وتصنيف الرواتب وهناك فرق كبير في الرواتب والامتيازات، حتى بين الدوائر والوزارة للدرجة الوظيفية نفسها وهذا يعكس الخلل في الحكومة وفسحها المجال لحالات السرقات والفساد الإداري».
وأعلن البرلمان العراقي، المنتهية ولايته، أن الحكومة المقبلة ستعمل على توفير أكثر من115 ألف فرصة عمل، حيث تقول وزارة النفط العراقية أن عقود التراخيص التي أبرمتها مع الشركات الأجنبية لتطوير 10 حقول نفطية ستعمل على توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل وربما يضطر العراق إلى استقدام أيدي عاملة أجنبية لسد النقص. وإذا كانت معدلات البطالة والبحث عن فرص عمل تشكل هاجسا لدى العراقيين فإن القطاع الصناعي الخاص في البلاد هو الآخر يواجه مشاكل كبيرة جراء الاستيراد العشوائي لجميع السلع والبضائع من بلاد عدة، وغالبيتها رديئة وغير صالحة للاستخدام، ما انعكس سلبا على إيقاف نشاط عدد كبير من المصانع وتسريح العمال. وقال رئيس مركز رجال الأعمال للمصدرين والمستوردين، لـ (د. ب.أ) ثابت البلداوي، إن «القطاع الصناعي في العراق يعيش أزمة كبيرة جراء عدم وضع ضوابط لمنع الاستيراد العشوائي للسلع والبضائع مجهولة المصدر والتي غالبيتها رديئة وسيئة وتحظى بإقبال في الشراء في الداخل لرخص أسعارها على رغم أن عمرها قصير». وأضاف «الحكومة العراقية مطالبة بالتدخل من أجل حماية القطاع الصناعي الخاص عبر وضع ضوابط للاستيراد، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الصناعة الوطنية للسلع المماثلة، إذ تتميز الصناعة الوطنية بالمتانة ودقة التصنيع والسيطرة النوعية فضلا عن وجود خبرات وطاقات ماهرة». وذكر البلدي، وهو رجل أعمال عراقي يعمل منذ أكثر من نصف قرن: «لقد اضطرت عشرات المصانع إلى تسريح العمال بسبب إغراق السوق العراقية بسلع مماثلة للإنتاج الوطني تباع بأسعار رخيصة، وهذا أدى بمجمله إلى تدني مستويات الإنتاج، فيما أغلق آخرون مصانعهم». وقال: «نحن بحاجة إلى قوانين وأنظمة تعمل على حماية المنتج المحلي ووضع ضوابط لحركة الاستيراد من الخارج والتأكد من مناشىء الاستيراد والعمل على استيراد البضائع من مناشىء معروفة». ويبدو أن الحكومة العراقية، التي تواجه صعوبات كبيرة لتشكيلها، وفق نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من الشهر الماضي، ستكون ملزمة بإنهاء معاناة الملايين وانتشالهم من خط الفقر، و خصوصا ونحن نتحدث عن بلد يمتلك احتياطيا نفطيا معلنا يصل إلى 112 مليار برميل، وآخر في طور الاستكشاف يقدر بأكثر من 214 مليار برميل، حسب إحصاءات لوزارة النفط العراقية .
العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ