العدد 2777 - الثلثاء 13 أبريل 2010م الموافق 28 ربيع الثاني 1431هـ

الصغار في مؤتمر قمة الكبار النووي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على امتداد اليومين الماضيين احتضنت العاصمة الأميركية قمة للأمن النووي، اعتبرها البعض من أكبر القمم التي دعت لها واشنطن منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية، إذ يشارك فيها 65 رئيس دولة من مختلف قارات العالم. يميز هذه القمة عن سواها من القمم الأخرى التي ناقشت قضايا السلاح النووي الأمور التالية:

1. عدد الدول المشاركة، وتفاوت درجات تطور الأبحاث النووية التي توصلت لها. فقد حرص على حضور تلك القمة دول من مستوى الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، وجميعها قطعت مراحل متقدمة وتمتلك رصيدا زمنيا طويلا وخبرة غنية في ميدان الصناعة النووية، بما فيها العسكرية منها، وصولا إلى دول مثل المملكة السعودية التي لم تدع يوما أنها قد ولجت هذا الميدان، وفيما بين هذين المستويين، هناك دول مثل تركيا وأوكرانيا التي أعلن رئيسها فيكتور يانوكوفيتش أن بلاده ستتخلى عن مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب في العام 2012.

2. توقيت القمة، حيث يأتي انعقادها قبيل الاجتماع المزمع عقده الشهر المقبل لمناقشة «الحد من الانتشار النووي» في الأمم المتحدة بنيويورك، الذي سيتناول اتفاقيات معقدة مثل، اتفاقية ستارت الجديدة.

3. غياب «إسرائيل»، أو مشاركتها بوفد من مستوى ثانوي، وهي الدولة التي تعتبر من أوائل دول الشرق الأوسط التي حازت على أسرار السلاح النووي، وتعتبر اليوم أكبر ترسانة له في تلك المنطقة، وتربطها مع العديد من الدول المشاركة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مجموعة متقدمة من الاتفاقيات النووية، بما فيها تخصيب اليورانيوم ولأغراض غير سلمية.

يعزز من أهمية البعد الإسرائيلي، ذلك التستر، غير المبرر الذي تحظى به الدولة العبرية من لدن الولايات المتحدة التي تتزعم الحملة ضد الملف النووي في دول مثل إيران وكوريا الشمالية. وبررت إسرائيل غيابها، كما جاء على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بخشيتها «من قيام دول عربية وإسلامية بحرف تركيز المؤتمر وتوجيهه إلى برنامج إسرائيل النووي غير المعلن عنه».

4. شعار المؤتمر أو المحور الرئيسي لموضوعاته، والذي كشف عنه الرئيس أوباما قبيل التئام جلسات القمة حين قال إنه يهدف إلى «إقناع الدول (المشاركة) بالموافقة على تأمين المواد النووية المعرضة للخطر في غضون أربع سنوات، واتخاذ خطوات محددة لشن حملة على التهريب النووي»، ملوحا إلى أن «التركيز الرئيسي لهذه القمة النووية هو، أن «أكبر تهديد منفرد لأمن الولايات المتحدة سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل يتمثل في امكانية حصول منظمة إرهابية على سلاح نووي»، مضيفا بأنه على علم بأن «منظمات مثل القاعدة تحاول الحصول على سلاح نووي وسلاح دمار شامل ولن يكون لديها أي تردد في استخدامه».

ما يجعل هذا الشعار مميزا، هو كونه، ولأول مرة يتحدث عن منظمات صغيرة بعد أن دأبت القمم السابقة على مناقشة القضايا، أو بالأحرى الخلافات في المجال النووي بين دول عظمى مثل روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

5. الموضوعة الأساسية التي انصبت عليها حوارات المؤتمر، كانت كيفية التصدي للملف النووي في كل من كوريا وإيران، وكان واضحا نيل هذين البلدين حصة الأسد من اهتمام المشاركين، من خلال التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي أوباما، قبيل وأثناء انعقاد جلسات المؤتمر مثل قوله «تبني بلاده إستراتيجية نووية جديدة تتعهد بموجبها بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول التي لا تملكها باستثناء إيران وكوريا الشمالية»، أو المحادثات التي أجراها مع نظرائه في الدول التي كانت لها مواقف غير مندفعة ضد تلك الدولتين، من أجل تغيير موقفها لصالح الموقف الأميركي، مثل الصين التي جاء على لسان نائب وزير خارجيتها الصيني تشوي تيانكاي قوله، في إشارة لموقف بلاده من الملف النووي الإيراني، أنه «بالتأكيد قد تكون للصين والولايات المتحدة وجهات نظر مختلفة حول العديد من القضايا، بينها الأزمة الاقتصادية العالمية والتجارة، لكن لا يمكننا تجاوز واقع أن لديهما أيضا مصالح مشتركة».

6. تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، لشبكة «أي بي سي نيوز»، على أبواب انعقاد تلك القمة، التي أكدت فيها بأن «التهديد باندلاع حرب نووية قد تراجع، لكن التهديد بحصول عمل إرهابي نووي قد ارتفع». في إشارة واضحة إلى تخوفها من اللاعبين الصغار في الساحة النووية، معززة بذلك التصريح، ما سبقها إليه قبل أيام مستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب جون برينان، حين قال بصريح العبارة «إن القاعدة جعلت من أولوياتها الحصول على الخبرة والمواد اللازمة لصنع قنبلة نووية محذرا من أن ذلك سيسمح للتنظيم بتهديد أمننا والنظام العالمي».

كثيرة هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من تلك القمة، بعضها ذي طابع تقني، وآخر له أبعاد إستراتيجية، لكن الأهم فيها، كما يمكن أن يلاحظه المراقب العادي، هو ميلان موازين القوى لصالح الدول الصغيرة في صياغة أسس العلاقات الدولية. الأمر الذي يكشف بوضوح بوادر الضعف والهرم التي باتت تهز أجساد الدول العظمى، بما فيها تلك التي تفردت بزعامة العالم مثل الولايات المتحدة، والتي لم يعد في وسعها الاستمرار في التستر على جرائم حلفائها مثل «إسرائيل» من جهة، وزيادة ثقل وحضور الدول الصغيرة من أمثال إيران وكوريا الشمالية من جهة ثانية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2777 - الثلثاء 13 أبريل 2010م الموافق 28 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً