مصطلح «الإرهاب النووي» دخل حديثا على سوق التداول السياسي بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما بمناسبة افتتاح قمة الأمن النووي في واشنطن. فالمصطلح مبتكر وفي الآن يرسل إشارة مخيفة تتصل بحياة الناس واستقرار الأمم وعلاقات الدول.
هل هناك فعلا ما يمكن تسميته بخطر «الإرهاب النووي» أم أن المصطلح مجرد شعار للتخويف ومحاولة التفافية على الموضوع؟ لا توجد معلومات تؤكد احتمال حصول منظمات على مواد مشعة عالية التخصيب يمكن أن تستخدمها في أنشطة إرهابية. كذلك هناك صعوبة في تأكيد تسرب قنابل جاهزة إلى هيئات ومؤسسات عندها الاستعداد لتهريبها أو بيعها لجهات أو دول تعتبر متمردة على القانون الدولي.
الضبابية تحيط بالمصطلح ويمكن أن يكون مجرد تغطية سياسية للهدف الحقيقي. فالقصد من إثارة الهواجس لم تتضح معالمه. وربما تكون غاية الكلام عن «الإرهاب النووي» التوصل إلى تفاهمات تشير إلى دول بعينها وليس إلى منظمات وشبكات إرهابية. وإذا كان الأمر مجرد استحداث مصطلح جديد للدلالة على مخاطر قد تأتي من دول غير مرغوب حصولها على معدات وأجهزة نووية قد تستخدمها مستقبلا للدفاع عن حدودها ومصالحها فإن القصد من إثارة الموضوع هو افتعال ضربة سياسية استباقية تعطي ذريعة للتدخل في حال اقتضى الأمر.
المخاوف من احتمال تسرب المواد المخصبة أو تهريب المعدات والتجهيزات إلى دول بعينها مسألة غير مستبعدة بسبب الفوضى التي عانت منها أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي في تسعينات القرن الماضي. فالفوضى التي ترافقت مع السقوط أنتجت فجأة ارتدادات كانت أسرع من كل التوقعات ما أدى إلى إضعاف الرقابة على المستودعات وأمكنة التخزين.
في التسعينات كانت الدول النووية محدودة ومعروفة الهوية والعنوان ما أعطى فرصة للإشراف والضبط والتنظيم ضمن قنوات محكومة بالمعاهدات والاتفاقات الدورية. فجأة تبدلت الأحوال وأصبح الاتحاد السوفياتي مجموعة دول تمتلك ترسانات نووية حين أضيف إلى روسيا الاتحادية بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وأوكرانيا وكازاخستان وأوزبكستان من البلدان التي تحتضن مستودعات من القنابل والصواريخ ومخزونات من المواد العالية التخصيب.
أدى هذا العدد الإضافي من الدول النووية إلى إرباك منظومة العلاقات الدولية، لأن الفوضى منعت اتخاذ خطوات سريعة تضمن الإشراف على تلك الاحتياطات المخيفة. فالدول الجديدة كانت تحتاج إلى فترة زمنية للتأقلم مع المتغيرات أو التكيف مع القوانين وما تفترضه من شروط تضمنتها المعاهدات. فالمعاهدات كانت موقعة مع الاتحاد السوفياتي الذي أصبح خارج الخريطة السياسية وظهرت مكانه مجموعة دول غير معترف بها وهي ليست بالضرورة مضطرة للالتزام بنصوص لم توقعها أصلا.
هذه الثغرة القانونية ترافقت مع فوضى سياسية عارمة أتاحت فرصة للمافيات الدولية بالتحرك واستغلال الفرصة والبدء في فتح قنوات للتسريب والتهريب وشراء كميات هائلة من الأسلحة التقليدية بأسعار رخيصة.
استمرت حال اللااستقرار نحو عشر سنوات ولم يبدأ الهدوء بالعودة إلا حين استلم الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين زمام الأمور وأخذ بترتيب البيت الداخلي وعلاقات الكرملين مع دول الجوار في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية وجمهوريات «السوفيات» السابقة.
المخاوف المحتملة تقع في هذه الفترة الزمنية وتلك الثغرة التي امتدت من 1991 إلى العام 2001. ماذا حصل في هذه الحقبة التي اتسمت بالفوضى وانتشار المافيات الدولية وقيامها بعمليات تهريب هائلة للتحف والآثار وشراء المصانع والمعدات والأجهزة ومستودعات الأسلحة التقليدية وبيعها في مختلف بلدان العالم؟ الجواب الواضح على السؤال يتطلب معرفة ماذا حصل لذلك المخزون من اليورانيوم العالي التخصيب الذي يقدر بنحو 232 طنا. هل المخزون لايزال على حاله أم تناقص؟ الإجابة الدقيقة توضح المسار لأن كمية قليلة بزنة 25 كيلوغراما تكفي لإنتاج قنبلة نووية بسيطة. ماذا حصل لمخزون اليورانيوم في الدول «السوفياتية» الأربع وهل نجحت المافيات في الوصول إليه وشراء كميات منه وتهريبه إلى الخارج؟ والأخطر هل استطاعت تلك الشبكات الحصول على قنابل جاهزة ونجحت في بيعها لمنظمات تحترف العمل السياسي السري؟
السؤال يساعد على معرفة القصد من وراء استحداث أوباما مصطلح «الإرهاب النووي». فهل أراد الرئيس الأميركي إرسال إشارة بهذا الاتجاه تعتمد على معلومات موثقة وأدلة دامغة أم أنه وجه ضربة سياسية استباقية تحتمل فرضية التخويف من إمكان توصل المافيات إلى تلك المخازن ونجاحها في تهريب كميات منها إلى مناطق مجهولة وغير واضحة العنوان وغير خاضعة للرقابة؟ في كل الحالات ومهما كانت الأجوبة أصبحت المسألة في طور الخطر وغير مضمونة النتائج. هناك زاوية غامضة تقف وراء دعوة واشنطن إلى قمة الأمن النووي، إلا أن المؤشرات تكشف وجود غايات أخرى تتجاوز ذلك المصطلح الجديد، ما يعني أن ما حصل من مداولات بين 50 دولة مشاركة (بينها ست دول عربية) لبحث هذه النقطة مجرد خطوة صغيرة تحتاج إلى خطوات ترسم خريطة تؤدي إلى تحديد اسم المطلوب وهويته وعنوانه.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2777 - الثلثاء 13 أبريل 2010م الموافق 28 ربيع الثاني 1431هـ