تمخضت زيارة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي لدمشق ومباحثاته مع المسئولين السوريين عن اتفاقات سورية - عراقية، أبرزها إقرار استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ العام 1982، وتشكيل لجنة أمنية مهمتها منع التسلل عبر الحدود السورية - العراقية في الاتجاهين، إضافة إلى ما وصفه رئيس الوزراء العراقي بفتح «صفحة جديدة» تؤدي إلى إقامة «شبكة علاقات استراتيجية» تشمل التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي بين البلدين.
وتشير هذه النتائج إلى نجاح ظاهر لزيارة علاوي لدمشق، وهي تقديرات كانت قائمة قبل الزيارة، بدت مؤشراتها في نتائج زيارة نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح ومباحثاته مع المسئولين السوريين، التي مهدت لزيارة علاوي لدمشق.
غير أن النتائج الظاهرة، لا تؤكد أن السوريين والعراقيين اتفقوا على قضايا هي أكثر أهمية مما تم إعلان بحثه والاتفاق عليه، وهي القضايا الأكثر تأثيرا في العلاقات السورية - العراقية، ومن دون معالجتها من الصعب القول إن علاقات دمشق - بغداد وضعت على سكة تطور صحيحة.
أول هذه القضايا، هو موضوع الوجود الأجنبي في العراق وهو وجود أميركي - بريطاني أساسا، يمثل بالنسبة إلى السوريين قوة احتلال، يتجاوز تأثيره حدود العراق إلى دول الجوار ولاسيما سورية، التي تلقت تهديدات جدية باستخدام القوات الأميركية الموجودة في العراق ضدها، ولم تقتصر هذه التهديدات على الأميركيين، بل شارك فيها وزير خارجية الحكومة المؤقتة هوشيار زيباري.
والقضية الثانية، تتصل بموضوع وحدة العراق، التي يرى السوريون أنها تتعرض للخطر من خلال تكريس كيان كردي في شمال العراق عبر نظام الفيدرالية، يمكن أن يقود إلى الإضرار بوحدة العراق وتقسيمه.
أما القضية الثالثة، فهي موضوع الوجود الإسرائيلي في العراق وفي شماله خصوصا، الذي ينظر إليه السوريون بتوجس شديد في ضوء تقارير ومعلومات، تسربت من الشمال عن نشاطات استخبارية، وعمليات تدريب، وأنشطة «تجارية»، يقوم بها إسرائيليون هناك.
إن تأثير هذه القضايا، يتجاوز الجار السوري إلى الجارين التركي والإيراني، إذ لدى الأول مخاوف جدية من تقسيم العراق ومن الوجود الإسرائيلي في الشمال، فيما لدى الإيرانيين مخاوف تماثل المخاوف السورية في إمكان استخدام الأراضي العراقية والقوات الأميركية الموجودة لعدوان على إيران. ولديهم مخاوف من احتمالات تطور كيان كردي ينقسم عن العراق، ومن النشاط الإسرائيلي في الشمال الذي يشكل بؤرة تجسس على إيران.
فرضت هذه القضايا وجودها على الحكومة العراقية المؤقتة، ورئيسها إياد علاوي، وكانت بين القضايا التي حاول علاوي وحكومته مقاربتها قبل جولته الأخيرة وخلالها. وأوضح علاوي في مستهل جولته أن «الرسالة التي سننقلها إلى الأشقاء في الدول العربية هي أن العراق لن يكون منطلقا للعدوان بل سيقيم علاقات مبنية على المصالح مع دول الجوار والدول الإسلامية»، وهو كلام هدفه تبديد مخاوف دول الجوار العربي والإسلامي، ثم أضاف إلى مما سبق إعلانا آخرا في دمشق قال فيه: إن «العراق سيظل سندا للأمة العربية ويشكل عمقا استراتيجيا لها ويعمل لتعزيز التضامن والتكامل العربي في مختلف المجالات والميادين».
وحاول علاوي تبديد المخاوف من وجود القوات الأجنبية في العراق وخطرها على سورية ودول الجوار بالقول: إن «هذه القوات ليست قوات احتلال. إنها قوات متعددة الجنسية ووجودها بطلب عراقي وبقرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى يستكمل العراق إمكاناته في الدفاع عن حدوده ومواطنيه». وأضاف «عندما يستكمل العراق إمكاناته سيطلب من القوات مشكورة مغادرة العراق».
ويشارك رئيس الوزراء العراقي عددا من كبار المسئولين العراقيين في نفي وجود إسرائيليين في العراق وفي شماله تحديدا، وقال: «إنها مجرد شائعات ليس هناك إسرائيليون في بلادنا».
تأكيدات علاوي وحكومته وتطميناته لدول الجوار العربي والإسلامي ولسورية خصوصا، لم تقنع تلك الدول بعد، لكن تلك الدول وفي ظل الظروف الإقليمية والدولية السائدة، تحاول مقاربة الوضع العراقي، والتعاطي معه في الحدود الدنيا الممكنة، التي يمكن تلخيصها في مساعدة العراق على وقف ما يقول إنه عمليات تسلل تتم عبر حدوده مع دول الجوار، ومعالجة القضايا العالقة من مترتبات العهد السابق ومنها قضية الأموال العراقية في مصارف سورية والأردن ولبنان، والاتفاق على تعاون بين العراق ودول الجوار في موضوعات اقتصادية.
غير أن هذه الموضوعات، وإن شكّلت قاعدة لانفراج علاقات العراق مع جواره ومع سورية خصوصا، فإنها لا تمثل نقلة نوعية في علاقات العراق مع جواره، لأن نقلة كهذه تحتاج إلى حكومة عراقية منتخبة وذات سيادة، وهو ما يتوافر في حكومة علاوي وفقما تراه سوريه وربما كل دول الجوار العراقي
العدد 693 - الخميس 29 يوليو 2004م الموافق 11 جمادى الآخرة 1425هـ