العدد 692 - الأربعاء 28 يوليو 2004م الموافق 10 جمادى الآخرة 1425هـ

الكوني... نسج الأسطوري من الديني

صدر حديثا كتاب جديد للكاتب ابراهيم الكوني بعنوان «الصحف الأولى... أساطير ومتون» وفيه يعكس الكوني عدة سمات من نتاجه عامة فنجده هنا ينسج الاسطوري منطلقا من الديني او سائرا في موازاته. ويصل الكوني في بعض ما جاء في الكتاب الى ان الانسان الذي تأكله الدود في النهاية هو نفسه دودة لا تبقي على حياة في هذا الكون فتحوله الى صحراء. وفي الكتاب الاخير نجد تلك السمات التي ميزت كثيرا من نتاج الكوني ومنها لغة شعرية تتناول موضوعات واجواء يتداخل فيها ويتكامل الديني والاسطوري والخرافي وكثير من وجوه الحياة والتفكير البدائيين تنسجها مخيلة واسعة وفكر مشبع بالفلسفي والادبي واللاهوتي في مختلف تنوعاته وان اتخذ الكاتب عوالم الصحاري والبداءة مسرحا له في بعض اعماله ومنها كتابه الاخير. وللكوني ما لا يقل عن 55 عملا بين روايات وما اسماه «ملاحم روائية» وبين قصص و«نصوص». وبعض هذه الكتب وصف بأنه «متون». وقد جاء كتاب «الصحف الاولى... اساطير ومتون» في 163 صفحة من القطع المتوسط وبلوحة غلاف وصفت بأنها «من رسومات فناني ما قبل التاريخ - ليبيا». وصدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. توطئة الكتاب جاءت صفحة اولى فيها سورة الاعلى «ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى». بعدها وتحت عنوان «الاساطير» موضوعات اولها وقد يكون اهمها موضوع بعنوان «البحر». هنا يشعر القارئ بأن الكوني يكتب بنفس قصصي شعري يستند الى اسس دينية ليخلق منها اساطير تنسجم مع الاساس الديني اذا قرئت بشكل رمزي وتعبر عن موقف ابراهيم الكوني الفكري في توفيقية وتأليفية لا تنقصها القدرة الفنية. ويبدأ موضوعه بكلام من سفر التكوين من الكتاب المقدس جاء فيه «وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة. وكان كذلك. ودعا الله اليابسة ارضا ومجتمع المياه بحارا». ينطلق الكوني من قصة التكوين وبعدها ضمنا قصة الخليقة اي قصة خلق آدم وحواء ليروي ذلك بصيغة خيالية فنية فيبدأ موضوعه قائلا «في البدء كان البحر شاملا مهجورا وحيدا... كان مهموما كئيبا يعاني حنينا مجهولا... حتى اذا فاض به الشجن وبلغ الحنين مداه دمدم ليغني... وعندما يحل به الاعياء يستلقي ليبكي». الى ان جاء حين «تلقى فيه البحر وحيا... فاستوى... بنبوءة فقرر ان يخرج بها الى الملأ». وفي ما يشبه قصة آدم وحواء التي اخذت من ضلع آدم يتابع الكوني قوله في لغة تحاكي «اللغة الدينية» من جهة ولغة الاساطير القديمة من جهة اخرى ان البحر تمخض «لينجب من بطنه أعجوبة اطلق عليها اسم اليابسة» ورأى فيها جبالا وشعرا أسماه أعشابا وشجرا «ولفظ معها كائنات اخرى صارت في الارض بذارا ما لبث ان تشبث بالارض منه فريق ودب في ربوعها فريق آخر». واتخذ ابحر اليابسة «قرينا ليستأنس اليه ويعزيه في عزلته الخالدة ولم يدر الشقي ان القرين دائما بلية». ويتبادل البحر مع القرينة التي انجبها همس الشجون ليلهو ويجود عليها بأنفاسه فترتوي لتستسلم لكن الانفاس «غذت شعر اليابسة الذي اسماه البحر في زمن التكوين نباتا فتمادى وحجب عنه وجه مخلوقته اليابسة». وتحول النبات اشجارا وأدغالا. ويضيف بما يشبه القصص الديني من جهة ونظرية الانبثاق عند افلاطون وبعض الفلاسفة من جهة اخرى فيقول ان البحر هنا «اكتأب... لانه انجب اليابسة بمخاض النبوءة وأحزنه ان يفقد طلعتها بأهواء البذار اللجوجة... واستلهم من المجهول نبوءة جديدة فتمخض فانجب دودة. رمى بالدودة الى رحاب اليابسة التي لم تعد يابسة».

وفي تصوير خيالي شعري لقصة الطوفان يقول ان البحر اغرق اليابسة بالطوفان ليهلك «الدودة الشقية» فغمر الدنيا وابتلع اليابسة «لكن الدودة العجيبة التي انجبها يوما من احشائه لم تهلك... فقد احتالت على البحر نفسه» اذ ابتدعت فلكا اتخذته مطية طفت بها على وجه الماء فنجت من الغرق. وسعى البحر ليستجلي النبوءة التي قالت له انه ارتكب خطيئة «ألم تعلم ان التمادي خطر. ألم تعلم ان الطلب خطر جزاؤه اللعنة. فلماذا لم تترك الاشياء تجري في أعنتها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً