الجدل الدائر حول مشروعي اتحاد الصناديق الخيرية كشف الطبيعة التمثيلية والأدوار التي تقوم بها هذه الصناديق في المجتمع. فعلى رغم مرور أكثر من عشر سنوات على تجربة عمل الصناديق في البحرين، فإن حقائق الواقع، والممارسات التي قامت بها هذه المؤسسات طوال ما يزيد على عقد بيّنت بأن هناك اتجاها في المجتمع ينحو إلى إنشاء المؤسسات الطائفية والمناطقية. فالصناديق الخيرية التي وصل عددها إلى 70 صندوقا أصبحت اليوم إحدى المؤسسات الطائفية والمناطقية في النظام السياسي البحريني. فإذا نظرنا إلى طريقة تأسيس هذه الصناديق سنجد أنها تأسست وفق عاملين أساسيين:
- الأول: حاجة أبناء المنطقة إلى مؤسسة خيرية ترعى المحتاجين.
- الثاني: حاجة أبناء الطائفة إلى «مؤسسة خيرية ترعى المحتاجين».
ووفق هذين العاملين انقسمت الصناديق الخيرية إلى مؤسسات سنية وصل عددها إلى 20 صندوقا تقريبا، والأخرى مؤسسات شيعية يبلغ عددها حوالي 50 صندوقا. جميع هذه المؤسسات طبعا هي تعبير صريح عن واقع المجتمع ومعطياته، إلاّ أن المشكلة تكمن في علاقتها بمسألة بناء الهوية الوطنية التي هي حجر الأساس لعملية الوحدة الوطنية التي ينشدها الجميع كونها الضمان للسلم الأهلي والأمن الاجتماعي. جميع هذه المؤسسات لم ولن تقدر على المساهمة في بناء الهوية الوطنية عبر أنشطتها وبرامجها الخيرية، لأن نشاطها مقتصر على منطقتها أو طائفتها. وبقدر اهتمامها ونشاطها لتقديم المساعدات الخيرية بقدر ما تعزز من الانتماء الطائفي أو المناطقي المقيت. وليس هذا اتهاما، وإنما الواقع أثبت ذلك، فلم يسمع المواطنون قط مثلا عن قيام صندوق الحد الخيري بتقديم مساعدات لأهالي الدير وسماهيج المجاورتين.
وهذه الإشكالية ليست موجودة في الصناديق الخيرية فقط، بل نجدها أيضا في مؤسسات أخرى ظهرت بعد عهد الميثاق، ومعظمها يسعى إلى تعزيز المناطقية بشكل لافت، مثل الجمعية الشعبية لمدينة عيسى والقرى المجاورة، وأخيرا أسّست جمعية المحرق الأهلية في السياق نفسه.
لقد فرض المشروع الإصلاحي لجلالة الملك أجندة الوحدة الوطنية في مقدمة أولويات الوطن، ولكن ممارسات المواطنين على أرض الواقع، وسياسات الحكومة أثبتت عكس ذلك. فإذا كانت الحكومة جادة في بناء الوحدة الوطنية فعليها إعادة النظر في الكم الهائل من المؤسسات الطائفية والمناطقية في البلاد والتي سمحت بتأسيسها، ووصل الوضع إلى ما هو عليه الآن.
ومشروع دمج الصناديق والمؤسسات والجمعيات الخيرية الذي طرحه الأمير الراحل طيّب الله ثراه يجب طرحه من جديد، والعمل على تنفيذه بشكل جاد. فجميع هذه المؤسسات لم تحقق أهدافها وفق طموح المواطنين المحتاجين، ولم تساهم في خدمة الوطن بالشكل المطلوب
العدد 691 - الثلثاء 27 يوليو 2004م الموافق 09 جمادى الآخرة 1425هـ