العدد 691 - الثلثاء 27 يوليو 2004م الموافق 09 جمادى الآخرة 1425هـ

تسخين الحرب المقبلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«نأسف. اخطأنا في شن الحرب على العراق. كان يجب أن تشن على إيران. فإيران تشكل الخطر الأكبر». هكذا وبكل بساطة بدأت تروج بعض وسائل الإعلام الغربية (الأميركية - الأوروبية) لاحتمالات الحرب المقبلة. فهناك تقارير تتحدث عن أن الحرب على العراق كانت مفتعلة وكان على إدارة جورج بوش ان تركز انتباهها على إيران. وهناك بعض الصحف «المحترمة» نقلت معلومات عن مصادر أمنية أميركية تشير إلى أن الخطوة التالية للرئيس بوش ستكون إيران في حال جدد له ولاية ثانية. وتعززت تلك المعلومات المسربة إلى الصحف بتقارير أمنية تلمح إلى دور إيراني في تسهيل مرور عناصر «القاعدة» من دون علم القيادة. وارفقت تلك التقارير بتصريحات رسمية تقول إن التحقيقات جارية للتأكد من أن قيادة طهران لم تكن فعلا على علم بالمهمات. فالتهمة إذا لم ترفع رسميا حتى الآن وبالتالي يمكن توقع إعادة استخدام تلك الإشارات السريعة التي وردت في تقرير «لجنة 11 سبتمبر» والاعتماد عليها مجددا وتطويرها في حال احتاجت إليها إدارة البيت الأبيض مستقبلا.

والسؤال: ما هو المقصود من ترك باب الأزمة مفتوحا مع طهران، وماذا تريد واشنطن من وراء تلك التسريبات؟

من الصعب تحديد الأهداف الأميركية في الفترة المقبلة ولكن يمكن ترجيح بعض الاحتمالات التي يفترض منطقيا انها وراء تسريب تلك المعلومات المضحكة. فالسيناريو واضح ويتشابه إلى حد كبير مع ذاك السيناريو الذي استخدم مع العراق وتطور من مزاح ثقيل الدم إلى سياسة جدية أدت ما أدت اليه.

الكلام عن إيران وموقعها ودورها وأهميتها الاستراتيجية ليس جديدا. الجديد هو تمرير تلك المعلومات الكاذبة التي لا يمكن تصديقها، ولكن تكرارها وإعادة تسريبها ستتحول مع الأوقات إلى نوع من «الحقائق» الراسخة في عقل الرأي العام الأميركي الذي يبدو أنه يصدق كل ما يقال له. فالكلام الذي يقال ليس موجها إلى طهران بل إلى الرأي العام الأميركي. فما يهم إدارة البيت الأبيض هو غسل دماغ الشعب الأميركي وتزوير الحقائق امامه وترويج معلومات مخيفة تجعله يعطي موافقته على حرب جديدة يخطط لها «البنتاغون». فالإدارة الأميركية تخوض الآن معركة كسب الانتخابات الرئاسية. وهذه المعركة مهمة لبوش لأنه يعتبرها بمثابة استفتاء شعبي على استراتيجيته الهجومية. وفوزه فيها يعني أن الشعب الأميركي يقف وراء الرئيس ويؤيد النهج التقويضي الذي باشره بعد ضربة 11 سبتمبر. والرئيس بوش كما يبدو بحاجة إلى هذه الدورة حتى يرفع الشكوك عن نتائج انتخابات الدورة الأولى.

الرئيس الأميركي إذا يخوض معركة داخلية ضد ما يسميه «الإرهاب الدولي» وما يتفرع عنه خارجيا من دول «محور الشر». وإيران كما تبدو المسألة مرشحة لأن تكون على رأس القائمة في الانتخابات الرئاسية. وحتى تكون معركة الرئيس مقبولة داخليا لابد من تضخيم المخاطر الأمنية وتخويف الرأي العام بوجود خطر مباشر على مصالح الولايات المتحدة بعد انكشاف الأكاذيب المختلقة بشأن العراق. وإيران كما هو ظاهر من الكلام المنسوب إلى مصادر أو المسرب إلى الصحف من جهات سياسية وأمنية وتقارير استخبارية باتت هي المرشحة على رئاسة قائمة الدول الأكثر خطرا.

الى معركة بوش الداخلية هناك مصلحة إسرائيلية. فحكومة شارون تواصل تغذية نزعات استمرار الحرب بعد سقوط بغداد وهي تدفع باتجاهات التصعيد وسد كل منافذ التفاهم بين ما يسمى «العراق الجديد» ودول الجوار. وجاء تصريح وزير الدفاع العراقي «الجديد» إلى صحيفة «واشنطن بوست» عن ان إيران لاتزال «العدو الأول للعراق» وهي تتدخل «لقتل الديمقراطية» وتدعم «الإرهاب»، ليصب في مشروع شارون ويخدم بوش في معركة الرئاسة. فالتصريح يؤكد الاتجاه الذي يريده الرئيس الأميركي وهو تغليف السياسة بالأمن وتعزيز نهج الحروب على دول منطقة «الشرق الأوسط الكبير».

كلام الوزير العراقي المعين ليس بريئا فهو يأتي في إطار معلومات كثيرة تتحدث عن وجود 150 شركة إسرائيلية تعمل الآن في بغداد وشمال العراق. مضافا إليها معلومات أخرى عن تدريبات أميركية - إسرائيلية على طائرات اف 15 لضرب محطة بوشهر ومصانع الصواريخ، إضافة إلى حوادث متفرقة كلها تشير إلى عمليات تسخين للجبهة مع إيران. وتعزز اتجاه التسخين حين ذكرت المعارضة الإيرانية في العراق عن تخفيف الرقابة الأميركية عليها.

واشنطن إذا تستعد إلى خوض معركة جديدة ولكنها تحتاج إلى تسخين الاجواء واقناع الناخب الأميركي بمبرراتها وضرورتها... وهذا الأمر يحتاج إلى كسب الانتخابات وتوريط طهران في تصريحات حامية تتخذ ذريعة للهجوم. والهجوم حتى يأخذ مجراه الطبيعي لابد أن يسبقه إعلان الأسف عن حرب خاطئة، وتصحيحها يبدأ بتجديدها ضد إيران

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 691 - الثلثاء 27 يوليو 2004م الموافق 09 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً