لقد انتهى العصر الذي كان الناس فيه يتجمهرون في الشارع حول الراديو للاستماع إلى هيئة الإذاعة البريطانية أو إذاعة صوت أميركا وهي تقدم لهم - في ثوب من الحياد الزائف - رؤية بريطانيا وأميركا إزاء حرب هما طرف فيها. ذلك حياد لم تعد الشعوب العربية والإسلامية تؤمن به. ومن سوء حظ أميركا - وحسن حظ الشعوب المسلمة - أن حروب الأعوام الأخيرة جاءت في عصر مختلف، ليس هو بعصر «بي بي سي» أو «صوت أميركا».
وإذا كانت الشعوب المسلمة لم تعد قابلة للتضليل الذي يمارسه صناع الرأي والقرار في أميركا، فإن الشعب الأميركي - بسذاجته التقليدية - لا يزال ضحية لذلك، وهو ما يحمل خطر تسميم العلاقة بينه وبين الشعوب المسلمة في الأمد المنظور. هذا الكلام استنتجته عندما كنت أتابع برنامجا داعما للحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش، فكان أحد الداعمين يظهر حسن النوايا الذي قدمه بوش للعالم وللعرب خصوصا. وكيف أنه خلص العراق من شر ابتلى به - وكأن العراق من نصَّب لنفسه صدام حسين رئيسا - متعهدا العالم العربي والإسلامي بتخليصه من كل ما يبتليه من شر وفي مقدمتها الإرهاب.
هذه الكلمات لا أقول إنها تدهشني فأنا مواطنة عربية فقدت منذ زمن بعيد نعمة الاندهاش مثل باقي الكائنات الحية، فبدل منها فهو أمر يضحكني، ألهذه الدرجة المواطن الأميركي ساذج، ويعتبر فعلا ما قدمته أميركا للعالم خلال سنوات تدخلها المباشرة وغير المباشرة في شئون الدول كافة أمرا في صالح الدول؟!. لن ألقي اللوم هنا على المواطن وإنما على الإدارة الأميركية التي أعلنت أنها ستخلص العالم وخصوصا العربي من كل نظام مستبد، ورفعت شعار الديمقراطية، كسائر الكلمات والمصطلحات الزئبقية التي ترفعها والتي هي مجرد ماء في غرابيل في مجتمعها...فيا عم سام قبل أن تنير العالم العربي بحرية وبحقوق إنسان، أنر عالمك بها أولا فهو بحاجة إليها
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ