العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ

العراق ودول الجوار... إيران مثالا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اتباعا بنصيحة الجنرال الفرنسي شارل ديغول للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأنه إذا أردت أن تتحدث في السياسة فعليك أن ترى الجغرافيا أولا؛ وقبل الدخول في الموضوع محل القصد وهو وجود ادعاءات بتدخل إيراني في العراق وهو يرجح بأنه خيال متجاسر على الحقيقة مصدره الإعلام المنفلت غرضه تزييت آلة الفتنة وإشاعة غبار ورمال وحجارة تملأ الأجواء لتحجب الرؤية؛ يتوجب توصيف جمهورية العراق جغرافيا كي نمسك بالموضوع حيا ومرئيا. فهذا البلد يقع في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وتحيط به تركيا شمالا بـ 331 كم، وإيران شرقا شمالا بـ 1458 كم، والكويت جنوبا بـ 242 كم، والمملكة العربية السعودية جنوبا أيضا بـ 814 كم، والأردن غربا جنوبا بـ 181 كم، وسورية غربا بـ 605 كم، وفي منطقة الغرب منه تجثم بادية هائلة متصلة بالصحراء الممتدة من سورية إلى السعودية وفي الشرق سلسلة جبلية تتصل بجبال زاغروس المرتكزة على الأراضي الشرقية الشمالية للجمهورية الإسلامية، كما تقع أعلى نقطة فيه عند الحدود التركية في الشمال وتصل إلى ما يقارب 2,100 متر (نحو 7000 قدم) فوق مستوى سطح البحر.

هذا المنظر الجغرافي المنثور لأرض العراق من جهاته الأربع يبدو أنه سيسهل علينا عملية التناول لمدى حقيقة أن طهران تقف وراء الكثير من عمليات التخريب وتهريب المخدرات إلى العراق، وهو ما يمكن التعرض له بالشكل الآتي:

(1) يجب التأكيد هنا أن مسألة الحدود بين الدول ليست أبوابا عليها أقفال منيعة أو نوافذ مثبتة فوق أسوار مصفحة، بل هي فضاءات من البراري والوديان والصحارى المفتوحة تتناثر بين أصقاعها نقاط أمن ومراقبة قد تفلح في اصطياد المتجاوزين أو قد تخيب. لذلك فليس من المعقول أن تحكم تلك الآلاف أو المئات من الكيلومترات بالسهولة التي يتمناها الجميع، كما أنه ليس من المعقول أيضا أن أي داخل للعراق من إحدى دول الجوار الست بغرض سيئ يحسب وزره على الدولة التي يحمل هويتها، لذلك فإن ما قاله نائب رئيس الجمهورية إبراهيم الجعفري هو عين الحقيقة عندما صرح لقناة «الحرة» بأن ليس كل من يقوم بعمليات تخريبية في العراق وهو ينتمي بالهوية إلى بلد ما يعني أنه يمثل بالضرورة ذلك البلد أو أن لديه تفويضا منه. ثم إن علينا أن نستحضر جيدا بأن الكثير من الدول الغربية المتقدمة تعاني من عمليات تسلل وتهريب للبشر والمخدرات. وأشار التقرير المشترك الصادر عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وعن المنظمة الدولية لمساعدة الطفولة (اليونيسيف) وعن المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، أن تجارة الرقيق ازدهرت في الآونة الأخيرة عبر نشاط المافيا لنقل النساء والفتيات من دول أوروبا الشرقية إلى غربها وبالذات إلى ألمانيا. وأن أسعار تلك التجارة تتراوح بين الخمسة آلاف يورو للمرأة الواحدة، وثمانية آلاف يورو للفتاة الصغيرة العذراء. ويقدر عدد المهربات بين نصف مليون و700 ألف امرأة سنويا. وبحسب التقرير فإن 35 في المئة فقط من عمليات التهريب يتم إفشالها بينما تنجح العصابات في تمرير صفقاتها، كذلك نستحضر ما تعيشه الأراضي الفلسطينية من تجارب حية، فالكيان الصهيوني يستخدم كل ما توصلت إليه تكنولوجيته للحؤول دون تسلل الفدائيين الفلسطينين لكنه فشل في ذلك كما فشل من قبل في جنوب لبنان أمام مقاتلي حزب الله، ولك أن تتخيل أن فرنسا وقعت عقدا مع الكيان الصهيوني لشراء تكنولوجيا الطائرات التي يستخدمها في ملاحقة الفلسطينيين لحماية حدوده!

وحديثا نقلت الوكالات أنباء بأن المملكة العربية السعودية أقرت شراء شبكة أمن من نوع سي 41 بقيمة 9,4 مليارات دولار وهي عبارة عن درع إلكتروني مجهز بأجهزة مراقبة صوتية ومغناطيسية ومراقبة بالأشعة ما دون الحمراء لاكتشاف تحركات الناس والعربات في منطقة الحدود الملتهبة وخصوصا مع اليمن التي تحدها بـ 1458 كم، إذ تعتقد المخابرات السعودية بأن معظم السلاح المهرب يأتيها من حدودها الجنوبية.

وفي معرض التناول أيضا لابد من التوقف على أمور عدة في ذلك، أولها أن عمليات التبادل التجاري بين العراق وإيران نشطت في الآونة الأخيرة صرح المساعد الفني لجمارك إيران محمود بهشتيان بأنه يصدر يوميا ما مجموعه 100 شاحنة لـ 24 نوعا من السلع الغذائية والمحاصيل الزراعية ومواد البناء كالإسمنت والموازينك والسجاد واللوازم المنزلية إلى العراق من منفذ شلمجة الحدودي، وقدرت قيمة التبادل التجاري بينهما بـ 140 مليون دولار منذ العام الماضي، وهو ما يجعل الحدود المشتركة للدولتين محل حراك دائم يتخلله بعض التسيب والانفلات. يضف إلى ذلك أن الكثير من مسئولي الحكومة المؤقتة قد أشادوا بالمواقف الإيرانية، فذكر ذلك رئيس الحكومة إياد علاوي في يوم تسليم السلطة في شهر يونيو/ حزيران الماضي، كما أن الجعفري نفى الأنباء التي تقول إن حكومته ضبطت 17 إيرانيا تسللوا إلى العراق بغرض القيام بعمليات تخريبية. ووصف رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عبدالعزيز الحكيم إيران بأنها الجار والأخ والصديق الذي وقف إلى جانب الشعب العراقي طوال العشرين سنة الماضية.

(2) أما ما يقال عن قيام المخابرات الإيرانية بتهريب المخدرات إلى المناطق الجنوبية من العراق فهو ادعاء مضحك استهلك نفسه ولم يبق انتظار نفع منه أو حنين. ويحق لنا أن نسأل: إذا كانت إيران متهمة بتهريب المخدرات إلى العراق فكيف نفسر حصولها على المركز الأول ولعدة سنوات متتالية من قبل الأمم المتحدة في مكافحة المخدرات، وأنها ضبطت خلال العشرين سنة الماضية زهاء أربعة ملايين و700 ألف كيلوغرام لأنواع مختلفة من الهيروين والكوكايين وغيرها من الأصناف المخدرة، وقدمت في سبيل ذلك أكثر من 15 ألف قتيل وجريح من قواتها المسلحة خلال مواجهات مع جماعات وعصابات التهريب النشطة التي تردها من محور الإنتاج وقلاعه في المثلث الذي يتألف من لاغوس وتايلند وكمبوديا ثم نزولا إلى أفغانستان وباكستان؟ وقدرت الموازنة التي تضعها الجمهورية الإسلامية لمكافحة المخدرات بمليار دولار سنويا وهي تبذل من الجهود الكثيرة لإيقاف تلك التجارة الخطيرة.

وللعلم فإن 90 في المئة من الإنتاج العالمي من الهيروين والكوكايين يصل إلى أوروبا وأن 80 في المئة من إنتاج المخدر عالميا يصل إلى الولايات المتحدة، كما أنه ليس من المعقول أن تقوم إيران بذلك الفعل لأن غائية ذلك العمل غير واضحة ولا تتسق مع سلوكها القيمي.

لاشك في أن إيران (فعلا) تريد للمشروع الأميركي في العراق انتكاسة تخرجه من منطقة قريبة من حدودها، وأنها حريصة أيضا على ألا يكون المشروع الأميركي (السلبي أو الإيجابي) في العراق مدخلا لعمل عسكري أميركي ضدها، ولكنها أيضا لم تمارس سلوكا مشينا مع العراق كما يدعي البعض وتفتح حدودها للمخربين، بل قامت وفي سبيل تحقيق استراتيجيتها بغلق حدودها الشرقية الشمالية، ولم تعط الأميركان فرصة استخدام حدودها الأقرب إلى بغداد من جميع دول الجوار. والأفغان لهم تجربة إيجابية مع الإيرانيين يجب أن تدرس جيدا، ولكي لا نكون مصابين بداء النسيان علينا أن نتذكر جيدا أن إيران استقبلت أكثر من مليوني أفغاني طوال الحرب الأهلية، سببوا لها نزيفا استهلاكيا هائلا وأضروا بأمنها القومي بنشاطهم في مجال تهريب المخدرات وتحملت حنق المواطن الإيراني - الذي يعيش بطالة بنسبة موجعة نوعا - ضدها، وفي الجانب الآخر تحملت طيلة عقدين أفواج المشردين العراقيين الذي وصلت أعدادهم إلى 700 ألف إنسان في الوقت الذي لم تستطع إيطاليا تحمل 600 لاجئ ألباني فروا إليها بسبب الحرب. وحتى عندما أراد الإصلاحيون المتطرفون التخلص من مسألة اللاجئين (الأفغان - العراقيين) لتسبيبهم متاعب اقتصادية للدولة، وقفت قيادات النظام الإسلامي «وفي طليعتهم السيدعلي الخامنئي» موقفا جيدا وحالوا دون حصول ذلك أو على الأقل إيقافه بعد انفلاته.

إن إشاعة موضوع التدخل الإيراني في العراق لهو باب من أبواب الفتنة التي يراد لها أن تشتعل، لذلك وجب على الجميع الحذر في ذلك وعدم الاستماع لكل أمر تطرب له الأذن

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً