الحديث عن الحوزات الدينية (الشيعية) الحديثة في العصر الحالي (وأهمها النجف وكربلاء وقم) يوصل إلى الحديث عن حوزة أخرى اختفت من زمن ليس بالقصير وهي حوزة البحرين التي انتهى أثرها في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي. والبحرين قديما كانت تتكون من الاحساء والقطيف وأوال، ومن ثم اختصت أوال (ما يحيط بها) باسم البحرين منذ مطلع القرن السادس عشر.
البحرين كانت تحت حكم القرامطة (فرع من الاسماعيلية) ما بين 899 و1080م، وبعد ذلك حكمت عدة عوائل شيعية من بينهم العيونيون وآل عصفور وآل جبر، ومن ثم الاحتلال البرتغالي (ما بين 1521 و1602م) وبعد ذلك الدولة الايرانية الصفوية وفترات حكم متقطعة لآخرين ومن ثم حكم عائلة آل خليفة منذ العام 1783م. علماء البحرين كان كثير منهم تجار لؤلؤ واثرياء جدا، ومدارس البحرين الدينية كانت عدة ولكن اهمها كانت البلاد القديم (وكانت العاصمة ايضا) والنبيه صالح وكانت جزيرة مملوءة بالعلماء.
التاريخ يذكر بعض أسماء الفقهاء والفلاسفة البحرينيين الذين لمعوا منذ زمن بعيد. من هؤلاء، الفيلسوف الشيخ ميثم البحراني (توفي 1299) وكان قد التقى وعاصر العلامة الحلي (المتوفى 1326م)، والحلي هو مؤسس «المدرسة الاصولية» في الفقه الشيعي. التاريخ يذكر ايضا الشيخ أحمد بن عبدالله المتوج من علماء المدرسة الاصولية وكان قد درس على يد ابن العلامة الحلي (المتوفى في 1369م) وكان ايضا معاصرا لاحد كبار فقهاء الشيعة ومحاورا له وهو من يطلق عليه بالشهيد الاول شمس الدين محمد بن مكي (عاش حتى 1384م). ويذكر التاريخ ان المتوج «تولى الأمور الحسبية» وتشمل رعاية شئون السوق وما يطلق عليها في عصرنا بالقضاء المستعجل.
استمر الوضع كما هو مع سلسلة كبيرة من الفقهاء والفلاسفة ولم يفلح الاحتلال البرتغالي في القضاء على حوزة البحرين الدينية (كما تذكر ذلك حادثة «ابو رمانة»). ومع تسلم الدولة الايرانية الصفوية حكم البحرين في 1602م عاد نفوذ علماء الدين وحوزاتهم، لانهم كانوا يتسلمون مناصب القضاء والأمور الحسبية. المهم ايضا ان التاريخ يذكر هجرتين لعلماء البحرين الى إيران. هجرة حدثت مع تسلم الصفويين الحكم في إيران في 1501م وتغيير المذهب الرسمي في إيران الى المذهب الشيعي، واحتاج الصفويون آنذاك الى علماء دين من النجف وجبل عامل والبحرين لملء المناصب الشاغرة في الجهاز الديني والقضائي للدولة الايرانية. ولذلك فان اصفهان مملوءة بعوائل اصولها من البحرين. وأخيرا عرض فيلم سينمائي اميركي في البحرين يتحدث عن «مأساة مسعود بحراني» وهو جنرال ايراني من أيام الشاه هرب الى أميركا وعاش حياة مأسوية. المهم في الأمر ان لقبه «بحراني» وهو ما يؤكد ما يذكره التاريخ من نزوح فقهاء البحرين الى اصفهان منذ مطلع القرن السادس عشر.
الفترة الصفوية في البحرين تذكر أسماء فقهاء تسلموا مناصب عليا في إدارة البحرين كان منهم محمد الرويس، عبدالرؤوف الموسوي، وعلي بن سليمان القدمي (وكان قاضي القضاة حتى وفاته في 1654، وكان ايضا من كبار تجار اللؤلؤ). ويذكر التاريخ ايضا صلاح الدين القدمي ومحمد بن سليمان المقابي وعلي بن جعفر القدمي، وسليمان بن صالح الدرازي ومحمد بن ماجد الماحوزي وهاشم التوبلاني وسليمان بن عبدالله الماحوزي وأحمد بن عبدالله البلادي.
بعد عموم الفوضى وخراب البحرين في مطلع القرن الثامن عشر، تسلم زعامة الحوزة الدينية الشيخ يوسف البحراني (يسمى البحراني خارج البحرين، ويسمى العصفور داخل البحرين) وحسم الحوار الفقهي لصالح المدرسة الإخبارية، ولكنه اضطر للهجرة بسبب ما جرى في البحرين آنذاك وتوفي في كربلاء العام 1772م.
بعد ذلك اضمحل دور البحرين الفقهي وقل عدد العلماء على رغم ظهور فقهاء بين فترة وأخرى، مثل الشيخ حسين العصفور (عاش حتى العام 1801م) والشيخ عبدالله الستري (عاش حتى 1864م). ومنذ تلك الفترة مازال الفقهاء الذين يذكرهم أهل البحرين هم: الشيخ يوسف البحراني والشيخ حسين العصفور والشيخ عبدالله الستري، وجميعهم من المدرسة الإخبارية ومازال كثير من أهل البحرين يتبعون (يقلدون) هؤلاء الفقهاء الثلاثة حتى عصرنا الحالي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 690 - الإثنين 26 يوليو 2004م الموافق 08 جمادى الآخرة 1425هـ
أسئلة
متى ظهرت أول حوزة في البحرين؟
وسؤال آخر عن التعليم القديم في جزيرة البحرين قبل قدوم الحوزات العلمية اليها, هل كان هنالك تعليم قبل الحوزات؟ هل كان لدى الناس في عصر ديلمون أي وسيلة للكتابة او التعلم؟
وشكراً