كيف يمكن قراءة الأخبار التي نسمعها يوميا؟ المشكلة ليست في القراءة وانما في تحليل وتفسير الأخبار التي نسمعها أو نقلتها وكالات الأنباء من مصادر مختلفة في الأيام الثلاثة الماضية.
اختصارا، معظم الاخبار مخيفة... مخيفة إلى درجة عدم تصديقها. فهناك مبالغات في تضخيم الاخبار وتفخيمها حتى حين تنقل وكالات الأنباء تلك المعلومات عن مسئولين يقال إنهم يتمتعون بحد أدنى من الصدقية.
لنقرأ ونفكر.
أولا، زعم تقرير لجنة شكلها الكونغرس الأميركي وجود مساع إيرانية - كورية شمالية لتأمين القدرة على تفجير سلاح نووي على ارتفاع كبير فوق الولايات المتحدة يؤدي إلى تعطيل شبكات الكمبيوتر عن العمل، ومن شأنه تعريض أميركا للخطر، وربما يؤدي إلى إلحاق الهزيمة بقواتها المسلحة. ولم تعلق وزارة الدفاع (البنتاغون) على التقرير بصورة مباشرة. فالوزارة تركته يمر. والشاطر يفهم.
ثانيا، ذكر رئيس لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول أن كل الخبراء الأمنيين يعتقدون ان تنظيم «القاعدة» مصمم على شن هجوم على الولايات المتحدة، وانه سيحاول استخدام أسلحة نووية أو كيماوية أو بيولوجية «إذا تمكن من ذلك». وحذر وزير الأمن الداخلي طوم ربدج من أن التنظيم ربما يوجه ضربة قريبا تستهدف مناسبات رياضية حاشدة. موضحا أنه لا توجد تفصيلات «بشأن موعد أو مكان أو أسلوب هذا الهجوم».
ثالثا، ذكرت معلومات اميركية ان واشنطن متخوفة من تعاون إيراني - كوري شمالي على تطوير صواريخ ذاتية الدفع. ونقلت صحيفة «اساهي شيمبون» اليابانية عن مسئول أميركي كبير (رفض الكشف عن اسمه) قوله: «ان هناك دليلا قويا على أن كوريا الشمالية وإيران تتعاونان في مجال تطوير الصواريخ. وإن طهران قدمت بيانات عن تجارب الاطلاق إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ».
رابعا، صحيفة «الحياة» نقلت تحذيرا عن الخبير النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو من خطر حدوث هزة أرضية تصدع المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا (النقب) وتتسبب في تسريب اشعاعات نووية تهدد الملايين في البلدان العربية المجاورة. وطالب الأردن باجراء فحوص طبية لسكانه المقيمين في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود مع «إسرائيل» لمعرفة مدى تأثرهم بالاشعاعات والاسراع في توزيع الأدوية عليهم.
خامسا، وفي تل أبيب نقلت صحيفة «هاآريتس» معلومات نسبتها إلى مسئول أمني في وزارة الداخلية الإسرائيلية عن وجود خطة لنسف المسجد الأقصى في القدس تعدها أو ستنفذها مجموعة يهودية متطرفة لإثارة الفوضى الشاملة وتعطيل احتمال انسحاب (إعادة انتشار) القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ومنع ارييل شارون من التنسيق أو التعاون مع حزب العمل المعارض. والخطة التي نقلتها «هاآريتس» عن مسئول أمني غير واضحة فقد تكون باستخدام سيارة مفخخة أو باستخدام طائرة صغيرة أو وسيلة جوية لنسف المسجد جوا.
يمكن إضافة عشرات الاخبار المنقولة أو المنسوبة عن مسئولين أمنيين في العالم وغيرهم من مصادر سياسية مطلعة أو معلومات منسوخة عن تقارير أجهزة استخبارات تشير كلها إلى توقع حصول «ضربة ما» أو «هجمة مخيفة» في «مكان ما» وضد «هدف ما». وكل هذه الاخبار المنقولة أو المزعومة تشير إلى جهات مجهولة وعناوين غامضة وأسماء مبهمة ومصادر غير واضحة... ولكنها كلها تلتقي على مسألة كبيرة وخطيرة هي احتمال استخدام النووي أو الكيماوي أو البيولوجي.
والسؤال: هل هذه الاخبار مضخمة أو مفتعلة أو انها تشير فعلا إلى احتمال ترى أجهزة الاستخبارات انه واقع لا محالة وتريد تبرئة ذمتها من حادث فظيع تتوقع حصوله أو انها هي تخطط لوقوعه؟ المخيف فعلا ليس في الأخبار، بل في أن تلك المعلومات تنقل عن جهات عليا تقرر مصير أمن الولايات المتحدة وربما العالم. وكذلك فإن المثير في تلك الأنباء أنها تتحدث عن النووي والبيولوجي والكيماوي وكأنه مجرد حبات «شكولاته» وليس سلاحا فتاكا. كذلك فإن تسريب تلك المعلومات وتعمد وصولها إلى القراء بشكل غامض وغير محدد واغفال اسم المصادر والعناوين يثير فعلا أسئلة مخيفة من نوع «هل تخطط واشنطن لضربة ما وتمهد لتغطيتها باطلاق بالونات اختبار تتهم أحيانا إيران وكوريا الشمالية بها وأحيانا أخرى ترجح أن يقوم بها تنظيم القاعدة»؟. أو مثلا «هل يخطط شارون لعمل ما ضد المسجد الأقصى أو محطة بوشهر ليتذرع بهما وسيلة لإعلان حكومة وطنية بعد أن يكون مهد لها بترويج خطة تسعى إليها مجموعة يهودية أكثر تطرفا منه».
وباختصار الأمور مبهمة وهي في معظمها مجموعة أخبار مخيفة... أو قصد منها أن تكون مخيفة لتبرير إجراءات انتخابية أو أعمال يخطط لها في الخفاء بين تل أبيب وواشنطن.
هذا أيضا مجرد خبر لا أكثر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 689 - الأحد 25 يوليو 2004م الموافق 07 جمادى الآخرة 1425هـ