العدد 2370 - الإثنين 02 مارس 2009م الموافق 05 ربيع الاول 1430هـ

سويسرا تنقذ أطفال الهجن!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في منتصف العام 2002، قرأت عدة تحقيقات في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية عن مأساة «أطفال الهجن»، الذين يتم تهريبهم من باكستان وبنغلاديش إلى بعض دول الخليج، إما شراء من عوائلهم المدقعة الفقر، أو باختطافهم على أيدي عصابات الجريمة المنظمة.

كانت الجريمة تتم تحت سمع الحكومات والنخب الحاكمة، ولم يكن الصحافيون من ذوي النزعة الإنسانية قادرين على الإشارة إليها ولو بحرف. وكنّا بحاجةٍ إلى تحقيقاتٍ صحافيةٍ وتغطياتٍ إعلاميةٍ وضغوطٍ أجنبية، لنبادر إلى تصحيح أوضاعنا وإيقاف هذه الجريمة.

في البداية ظننت أن ضحايا سباقات الهجن بالعشرات، لكن تبيّن أنهم يزيدون على 40 ألف طفل. يتم إيواؤهم في اصطبلات معدّة للبهائم، وتقلل كمية الطعام عنهم ليبقى وزنهم منخفضا لتفوز ناقة هذا الرجل الثري أو ذاك.

هؤلاء الأطفال الذين لا يزيد عمر بعضهم على أربع أو خمس سنوات، يتم شدهم بالحبال إلى ظهر الناقة، ليمسك بالخطام بيد، وباليد الأخرى العصا. ويمكن للقارئ أو القارئة إن كان له ولدٌ في مثل هذا السن، أن يتخيّل طفله وهو في هذا الوضع من الاستغلال.

بعض هؤلاء لا تتحمل أجسامهم الغضة هذه الظروف القاسية فيموت وتبتلعه الصحراء، إمّا تنهشه الكواسر أو يُوارَى تحت الرمال، فلا أبٌ يسأل عنه ولا أم. أما البعض الآخر فيُعاد بعد سنواتٍ من العبودية إلى أهله كتلة مهترئة من العظام المهروسة المغطّاة بجلدٍ رقيق، فلم يبق له عمود فقري ولا عظام.

في منتصف العام 2005 جاء الفرج، ليس من باب إنسانيتنا وشهامتنا وتقاليدنا وعاداتنا العربية في رحمة الضعفاء، ولكن على يد شركة سويسرية لصناعة «الروبوتات» التي طوّرت «إنسانا آليا»، يلبّي غرورنا الذي بلغ بمسئول صغير في دولة شقيقة، إلى الافتخار بجمع أكثر من 400 شاعر من 11 دولة للمشاركة في مسابقة «ملكة جمال الإبل والنوق»، لاختيار «أجمل قصائد في وصفها والتغزل بمآثرها وصفاتها الجسدية وفضلها على الإنسان»، كما قال حرفيا في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية.

الشركة صمّمت الروبوت بحيث يوضع على ظهر الناقة ويبرمج على ضربها بالعصا لتنطلق بسرعة 25 ميلا في الساعة، ليشعر المترفون منا بأقصى درجات المتعة وهم يتابعون السباق، خصوصا أن الروبوتات ألبست الزيّ التقليدي لأطفال الهجن. وهو الأمر الذي شجّع تلك الدولة على طلب 10 آلاف روبوت من اليابان، بتكلفة ألفي دولار للجهاز، لتحلّ لنا مشكلتنا مع العالم في قضايا العبودية الجديدة ومزاعم انتهاكات حقوق الإنسان!

الناشطون الحقوقيون أيضا، أثمرت ضغوطهم عن إعادة أعداد كبيرة من هؤلاء الأطفال إلى أوطانهم ووضع آليات لتعويضهم، وإن كان بعد فوات الأوان. في السودان وحدها، وهي إحدى الدول المصدّرة للأطفال، عُقدت جلسات استماع أثمرت عن تعويض 700 طفل من الخرطوم والأبيض وكسلا وعطبرة، حيث يتكسب بعض رؤوس القبائل الرعوية هناك من هذه التجارة.

الشاهد أن الجريمة استمرت تحت سمع وبصر الجميع، بما فيها بعض الصحف الأكثر من حكومية، التي كانت تطبّل لـ «رياضة الأجداد». وكان طبيعيا عندما صدر تقريرٌ أميركيٌ العام الماضي، أن تكون كل دول الخليج الست بلا استثناء، من بين 17 دولة عربية متهمة بالاتجار بالبشر، واعتبرت اثنتين منها الأسوأ في هذا المجال.

اليوم... يختتم مؤتمر مكافحة الاتجار بالبشر في المنامة، ونتمنى أن تصدر عنه توصيات تتحوّل إلى سياسات وأفعال، تفيد في مكافحة هذه التجارة البشعة التي تودي بعشرات الآلاف من ضحايا النظام الرأسمالي الجشع، من النساء والرجال والأطفال. فلدينا جيوشٌ جرارةٌ من ضحايا الاستغلال الجنسي الذين تكتظ بهم المرافق السياحية في اقتصادٍ طفيلي هشٍ قائم على الاتجار بأجساد النساء.

المأمول من المؤتمر أن يعترف أولا بوجود المشكلة، ويدفع باتجاه تعميق الوعي الاجتماعي بأبعادها، ويردّ على قوى المال والعصابات المنتفعة من استغلال البشر وعذاباتهم من أجل الإثراء أو المتعة أو النفع المادي الحرام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2370 - الإثنين 02 مارس 2009م الموافق 05 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً