كما في الحروب التقليدية، هناك الكثير من المخاطر الناجمة عن شن «الحروب الإلكترونية»، يحدد بعضها رئيس شركة «إنترنت سيكيوريتي سيستمز» (ISS) مصطفى سرهنك، في ثلاثة محاور رئيسية هي:
1 - اختراق أنظمة مصانع الدواء والغذاء وإجراء تعديلات في منتجاتها لتحويلها من النفع إلى المضرة.
2 - تخريب برامج المراقبة وإحداث فوضى في قنوات تحكمها.
3 - العبث بمحتويات وأنظمة تحكم غرف القيادات العسكرية وتحويل اتجاهات أوامرها.
ونظرا إلى خطورة هذا النوع من الحروب والأخطار الناجمة عنها، بادرت الولايات المتحدة إلى تأسيس وكالة خاصة بمتابعة شئون الحروب الإلكترونية أطلقت عليها اختصارا اسم «داربا» (The Defence Advance Research Projects)، والتي توزعت مهامها، كما جاء في المقالة المعنونة «تخطيط الحروب المستقبلية وإدارتها فضائيا والمهام المفصلية لوكالة داربا الأميركية»، من إعداد أحد الباحثين في الشئون الاستراتيجية في الجيش اللبناني والمنشورة على الموقع الخاص بالجيش اللبناني على ثمانية أقسام من بين أهمها: مكتب التكنولوجيا المتقدمة «The Advanced Technology Office»، وتنحصر دائرة اختصاصه في أبحاث الاتصالات والعمليات الخاصة والقيادة والتحكم وتوثيق المعلومات العسكرية والعمليات البحرية. لكنه يعمل جنبا إلى جنب مع مكتب تكنولوجيا الأنظمة الدقيقة «The Microsystems Technology Office»، وهو يطور الأنظمة الإلكترونية للشرائح الصغيرة المتغيرة الخواص والمعروفة باسم الأنظمة الميكرو إلكترونية الحركية (MEMS Micro Electromechanical System) وهذا القسم مسئول عن مواجهة أخطار الحرب البيولوجية والجرثومية. يعاونه في ذلك مكتب التكنولوجيا التكتيكية «The Tactical Technology Office» وهو مسئول عن تطوير أبحاث الجو والفضاء مثل أنظمة التحكم.
وفي السياق ذاته تكرس الولايات المتحدة الجهد والمال من أجل أن تكون السباقة في ميدان الحروب الإلكترونية لأنها كما يصفها الجميع «حرب المستقبل»، ولذلك نراها، بالإضافة إلى ما سبق، توكل إلى نائب الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، والرئيس التنفيذي لشركة الأسهم الخاصة «إيه. إي. إيه» الآسيوية، «بل أوينز» الإشراف على دراسة تحدد مخاطر الحروب الإلكترونية وتداعياتها من الجوانب المختلفة: تقنية كانت أم قانونية، بل وحتى الأخلاقية، ناهيك عن عمق تأثراتها في صنع القرارات السياسية. ويحضرنا هنا أيضا ما عرف باسم «مشروع مانهاتن» الذي أشرف عليه وزير الأمن الداخلي في الولايات المتحدة مايكل شرتوف، والذي أكد في أكثر من مناسبة « إن هجوما إلكترونيا ضخما وناجحا ستكون له آثار ممتدة عبر البلاد (الولايات المتحدة) والعالم».
كل ذلك يؤكد أن هناك مخاطر ملموسة تنجم عن الحروب الإلكترونية، وأول تلك المخاطر هو الجهل بها. ففي ذلك الجهل تكمن نواة الاستخفاف بها أو التقليل من تلك الأخطار، بل وحتى تضخيم نتائج بعض المعارك الإلكترونية «التكتيكية» وذات المخاطر المحدودة إلى انتصارات وهمية، كما حصل لنا نحن العرب خلال الانتفاضة الفلسطينية وحرب «إسرائيل» مع «حزب الله» في العام 2007، عندما خرجت علينا بعض أجهزة الإعلام العربية بإحصاءات حول التدمير المتبادل للمواقع الإلكترونية العربية والإسلامية مقابل الإسرائيلية، حيث أثلجت أرقام أوردها باحث عربي عرضها في ندوة عقدت بإحدى العواصم الخليجية تحت عنوان «الحرب النفسية و الإلكترونية في الصراع العربي الإسرائيلي» صدور المتحمسين العرب، عندما أوهمتهم بنجاح العرب في «تدمير 246 موقعا إسرائيليا على شبكة الإنترنت، مقابل تدمير الإسرائيليين لـ 34 موقعا عربيا فقط». لسنا هنا في مجال المقارنة، لكن ما ينبغي التذكير به هو أن الحرب الإلكترونية ليست مجرد «تدمير مواقع للعدو على الإنترنت»، هذا إذا افترضنا أن لهذه المواقع أهمية إستراتيجية.
لكننا إذا استبعدنا المخاطر القادمة من جهات خارجية، ووضعنا الضوابط وصمامات الأمان الممكنة القادرة، إلى حد بعيد من صد «الهجوم الإلكتروني» الخارجي، يبقى هناك احتمال أكثر خطورة وهو الاختراق من الداخل، والذي هو نجاح أحد العاملين المحليين، نظرا لما يملكه من صلاحيات شرعية ومهنية، في اختراق مكونات «الأسلحة الإلكترونية»، وتحويل اتجاهها نحو بلده بدلا من صدور العدو.
هذا الاختراق للجبهة الداخلية، بالإضافة إلى ضخامة مستويات التدمير الذي يمكن أن يسببها، هناك أيضا مخاطر إفشاء أسرار مستوى التطور العسكري والإستراتيجي الذي وصلت إليه هذه الدولة إلى أيدي العدو.
هنا تتراجع كل الجوانب «التقنية» و»الإلكترونية» وتحل مكانها الولاءات السياسية والالتزامات الوطنية. وبالتالي، فبغض النظر عن مدى التقدم «الإلكتروني» الذي يمكن أن تحققه دولة ما، بما فيها الولايات المتحدة، يبقى العنصر الحاسم في موضوع «الحروب الإلكترونية»، شأنها في ذلك شأن الحروب التقليدية، هو الولاء للوطن. ففي غياب هذا الولاء تتحول الأسلحة كافة من أدوات فعل وتأثير إلى معدات عرض وشد انتباه، وفي أحسن الأحوال، أشكال للتباه واستعراض العضلات. ولنا في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة درس لا ينسى، فبغض النظر عن الجهة التي وقف وراء التخطيط لها أو تنفيذها، كشفت تلك الحادثة عن هشاشة النظام الأمني الأميركي، بما فيه نظام الأمن الإلكتروني، المهيا حينها لصد أو شن هجوم إلكتروني عندما تقتضي الحاجة لذلك.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2370 - الإثنين 02 مارس 2009م الموافق 05 ربيع الاول 1430هـ