حذر الكاتب والمحلل السياسي الأردني محمد خروب من تغيير قواعد اللعبة السياسية والامنية في جنوب لبنان، وقال في قراءة تحليلية لما حدث في لبنان قبل أيام عندما شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على ضواحي مدن داخل الجنوب اللبناني وبالقرب من بيروت إنه لا يبدو أن الأوضاع في جنوب لبنان بعد الاشتباكات العنيفة التي جرت أخيرا ستعود الى سابق عهدها المشوب بالحذر والترقب منذ انكفاء «إسرائيل» عن جنوب لبنان في 25 مايو/ أيار 2000 على وقع ضربات المقاومة على رغم انها كانت تشهد مواجهات قاسية وضربات متبادلة، ولكنها كانت محسوبة بدقة من الطرفين على نحو كانت تبدو في بعض الاحيان كأنها اختبار ليقظة الطرف الآخر او تمرين بالذخيرة الحية لرفع المعنويات وشحذ الهمم والقول بطريقة واضحة: نحن هنا.
المعادلة - كما يقول خروب في صحيفة «الرأي» الأردنية - فيما يبدو على وشك التغيير او ادخال تعديلات عليها يصعب القول إن بمقدور اللاعبين فيها ضبط اطرافها أو التحكم بنتائجها وخصوصا اذا ما نسفت قواعد اللعبة بشكل جذري وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة وهو ما يفسر لجوء الطرفين الى التهدئة النسبية وعدم الاقدام على خطوة «انقلابية» تطيح بالتفاهمات القائمة وان كانت تفاهمات غير موقعة، لكنها قبول بتوازن القوى الراهن الذي يطلق عليه اللبنانيون أنفسهم توازن الرعب وهو تعبير مستعار من ادبيات «الحرب الباردة» ولايزال صالحا للاستخدام على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية من دون معرفة تاريخ انتهاء صلاحيته والذي لن يكون في كل الاحوال قرارا انفعاليا او مفاجئا بل سيرصد الذين سيتخذونه سواء في حزب الله ام في «إسرائيل» مجمل تفاصيل المشهدين اللبناني والإسرائيلي محمولة على الأوضاع الإقليمية وامتداداتها الدولية. وفي كل الاحوال ستكون تطورات المسألة الفلسطينية وأكلاف التورط الأميركي في العراق وتداعيات معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية الآخذة في الاحتدام (والاقتراب أيضا) احد ابرز المؤشرات على احتمال اتخاذ مثل هذا القرار المصيري أو تأجيله، وهو قرار غير قابل للالغاء تحت أي ظرف وفق المعادلات القائمة حاليا لبنانيا إسرائيليا أو إقليميا.
من غير الحكمة ايضا تجاهل تأثير الأوضاع اللبنانية والإسرائيلية الداخلية على ظروف التسخين والمواجهة وتوسل الأسباب الداعية لها على رغم أن السبب المباشر للمواجهة الأخيرة التي وصفت بأنها اوسع مواجهة على الخط الأزرق منذ العام 2000 كان اغتيال احد ابرز كوادر حزب الله المكلف ملف التعاون مع المقاومة الفلسطينية وهو غالب عوالي الذي شكل النجاح في اغتياله على الطريقة التي سقط فيها سلفه علي حسين صالح قبل عام (تفجير عبوة ناسفة) صدمة في أوساط حزب الله واعتبره أمين عام الحزب تراخيا أمنيا من قبل الدولة اللبنانية.
التجاذبات الدائرة الآن - يضيف خروب - في لبنان على هوية الرئيس المقبل سواء بالتمديد أو التجديد للرئيس الحالي العماد اميل لحود أو اجراء انتخابات تنافسية على رئيس جديد كذلك الأوضاع الحزبية والسياسية المتأزمة داخل «إسرائيل» والصعوبات التي تعيشها حكومة شارون والمباحثات التي تجرى لقيام حكومة وحدة وطنية مع حزب العمل والاحزاب الدينية والتصدع الذي يواجهه حزب الليكود الذي يرأسه شارون نفسه، لها دور في تأزيم الأوضاع على الحدود ومحاولة ابعاد الانظار عما يجري داخليا، وإن كان من الصعب قبول احتمال بأن حزب الله معني بالتسخين لأسباب مختلفة ليس أقلها أنه لايزال يراقب المشهد اللبناني من دون حسم خياراته. ويبدو أنه يلعب بالأوراق الداخلية المتوافرة له ولا يسعى إلى استخدام ورقة المقاومة في المواجهة مع «إسرائيل» وإن كان يصر على أن تكون هوية الرئيس المقبل سواء الحالي ام الجديد منسجمة مع المقاومة وداعمة له من دون أن نهمل ما دار في مايو الماضي من مواجهات في الضاحية الجنوبية (معقل حزب الله) بين المتظاهرين والجيش اللبناني ولاتزال استحقاقاتها ماثلة على الجميع (الدولة والحزب والاتحاد العمالي).
ويطرح خروب سؤاله التحليلي الآتي: هل حكومة شارون معنية في هذه الظروف بفتح جبهة مواجهة جديدة قد تكون مكلفة وما تدفعه من أكلاف بشرية في صفوف جنودها وسكان المستوطنات الشمالية؟
ويجيب: الجواب في حذر نعم. لأن الخروج من الأزمة الداخلية يستدعي رص صفوف الإسرائيليين في مواجهة عدو خارجي، والأزمة المتصاعدة مع فرنسا لا تقدم مثل هذا الموقف وليس غير «العربي» لبنانيا كان أم فلسطينيا بمقدوره تقديم المطلوب. ولهذا لا تبدو تصريحات رئيس الدبلوماسية اللبنانية جان عبيد قيلت عبثا بشأن نية حكومته تقديم شكوى لمجلس الأمن، لماذا؟ للجم العدوان وتدارك خطورته قبل استفحاله، هكذا قال
العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ