ليس هناك ما هو أفضل من زيارة البلدان للتعرف على حقائق الاوضاع فيها. فمهما كانت معرفتك عن طريق القراءة فإنها لن تغنيك عن المشاهدة والعيان. والتراث العربي زاخر بكتابة الرحالة المسلمين، بدءا من عميدهم الأكبر ابن بطوطة الذي ترك هذا السفر الخالد عن البلدان التي زارها على مدار 25 عاما.
وعندما تزور بلدا عادة ما تقارن بينه وبين بلدك، ففي زيارة الاسبوع الماضي إلى قبرص، تلتمس بعض الملامح المشتركة التي تفرضها الجغرافيا على الأوطان. وفي الجزر التي تحفها المياه من كل جانب تلتقي بتلك الطيبة التي تميّز السكان، خصوصا عندما تكون تلك الجزر الصغيرة بمواقعها وثرواتها مطامع للغزاة. ونحن لا نتكلم عن ما وراء الطبيعة بهذا الحديث ولا يأخذنا حب الوطن إلى الشطط، وانما هو من الامور التي يسهل مشاهدتها. فالبحرين مجموعة من الجزر الصغيرة الملمومة على بعضها، وقبرص جزيرة قسمتها النزعات الطائفية إلى شطرين، حين اختلط الدين بالنزعة الشوفينية بالأحلام الشاذة. بل إن وجود زعيم الكنيسة القبرصية اليونانية الاسقف «مكاريوس» على رأس السلطة في الجزيرة المستقلة عن بريطانيا حديثا لم يشفع له عن ركوب موجة العنف الأعمى الذي قاد إلى مذابح أودت بأرواح آلاف المواطنين لمجرد اختلافهم عنه في الدين. وفي لحظة من لحظات الطيش الطائفي المجنون وقف في أحد الأديرة ليلقي موعظة من مواعظ الشيطان: «إن مهمة أبطالنا لم تنجز ما لم يتم إبعاد هذه الطائفة التركية الصغيرة التي تشكل جزءا من الجنس التركي، العدو الرهيب للهيلينية».
وإذا كانت لديك مواقف مسبقة أو تصورات جاهزة فرضها عليك التناول الإعلامي «الكلاسيكي» في منطقتك لقضية ما، فما عليك إلا أن تعيد النظر في تلك المسلَّمات لتتعرف على حقائق الأوضاع. بداية المعرفة يكون السفر
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ