جددت إيران نفيها لتلك التلميحات التي أوردها تقرير "لجنة 11 سبتمبر" عن احتمال تسهيل طهران عبور بعض أعضاء "القاعدة" إلى الخارج لتنفيذ الهجمات. وعلى رغم أن اللجنة لم تتهم إيران بضلوعها في الهجمات فإنها أنحت باللائمة عليها. هذا هو الجديد في "تقرير سبتمبر". فواشنطن بعد أن تهربت من تكليف لجنة للتحقيق في الملابسات اضطرت إلى الموافقة بشرط أن يخضع التقرير للمراجعة من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لحذف ما يمكن حذفه أو لتأجيل ما يمكن تأجيله قبل صدوره. فالتقرير في النهاية خضع لتسوية سياسية داخلية. الديمقراطي يتراجع عن تحميله مسئولية ما جرى للجمهوري والجمهوري يخفف من مسئولية العهد السابق "بيل كلينتون" في اهمال بعض التحذيرات التي تلقاها البيت الأبيض. انتهت المعركة داخليا بلا غالب ولا مغلوب واعيد إنتاجها لتكون قابلة للتصديق وأخيرا للتصدير الخارجي. فالتقرير انتهى إلى القول إن المشكلة "خارجية" وليست "داخلية" وإن أمن الولايات المتحدة تعرض إلى "مؤامرة" أجنبية احتارت إدارة البيت الأبيض في الجهة التي تريد تلبيسها لها. فاللجنة لم تحدد في تقريرها الجهة التي تتحمل المسئولية. فهي اعترفت بوجود تقصير وخلل في الأجهزة وعدم تنسيق بين أجنحة المخابرات، ولكنها أشارت إلى أن الكل فعل ما بوسعه أن يفعله لأن مختلف الأطراف لم تتوقع أن يحصل ما حصل. هذا الجانب الداخلي من التقرير ليس المهم، فهو قيل سابقا وتكرر مرارا. الجديد في التقرير هو في جانبه الخارجي، إذ حاولت اللجنة توسيع دائرة الاتهامات وإدخال جهات جديدة في الموضوع. وحتى تملك الإشارات بعض الاحترام استدارت اللجنة حول نفسها فنزعت التهمة عن نظام بغداد السابق وألصقتها بنظام طهران أو ببعض الجيوب المحسوبة على أجهزة أمنية إيرانية. هذا "التوسيع" في دائرة الاتهامات هو الملفت في تقرير اللجنة، ويحتمل أنه تم بناء على توصيات رسمية أو جهات أمنية لتبرير التقصير ووضع قواعد جديدة لسياسة يراد منها أن تستمر في المنحى التقويضي الذي باشرته واشنطن منذ ثلاث سنوات. الغمز من قناة إيران مسألة مضحكة، ولكنها ليست مستغربة أن تصدر من جهة فقدت الكثير من صدقيتها ولكنها غير مكترثة بتصحيح الصورة. فواشنطن كما يبدو رسمت استراتيجية محددة قررت تنفيذها مهما كانت العقبات والصعوبات. وهذه الاستراتيجية تحتاج إلى ذرائع حتى تستمر بها. والذرائع المطلوبة لا تتطلب بالضرورة البراهين الدامغة والتوثيق الموضوعي، فيكفي أن تطلق تهمة "كذبة" وتبدأ بتضخيمها وتلوينها وتغذيتها فتصبح مع الأيام من الحقائق التي لا تحتاج إلى إثبات بدليل أن الكل يتحدث عنها من دون حاجة إلى تأكيدها. فهذا العراق هو أكبر مثال على ذلك، وما حصل معه يمكن تكراره مع غيره. والعالم في النهاية ينسى والأمور تمشي من دون حاجة إلى الاعتذار أو التعويض أو التراجع عن الخطأ. اختراع الأكاذيب يبدو أنه الأسلوب الأميركي الجديد لاختراع الأزمات والبناء عليها لتطويرها نحو حروب إقليمية مضبوطة تحت السقف الدولي. فهذا السودان مثال آخر على تلك السياسة. فأزمة إقليم دارفور ليست جديدة واحتويت مرارا ضمن ترتيبات محلية وإقليمية وقارية "إفريقية" إلا أن ما حصل أخيرا من دفع سريع ومتسارع للأزمة ونقل الملف فورا من دائرته الإقليمية إلى إطار دولي وبمراقبة أميركية "الكونغرس" مباشرة يكشف عن قدرات سياسية - إعلامية هائلة في شد الانظار عن فلسطين "الجدار الأمني" مثلا وتركيز الانتباه بعيدا في منطقة استراتيجية تفصل السودان عن غربه بعد أن فصلته عن جنوبه. اختراع أزمة والتعتيم على أزمة وفتح الأبواب على أزمة يعاد ترتيبها، كلها إشارات تؤكد أن الاستراتيجية الأميركية الهجومية لم تتوقف في العراق، بل هناك ملاحق لتلك الحروب وهي موزعة على أكثر من مكان. واشنطن الآن في صدد فتح ملف طهران من خلال استصدار قانون "تحرير إيران" عن الكونغرس "كما فعلت مع العراق" في وقت توصلت الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة جدولة أولوياتها الأمنية واضعة البرنامج النووي الإيراني على رأس اهتماماتها. وبين الكونغرس و"إسرائيل" يمكن أن نفهم معاني تلك الإشارات التي وردت في تقرير سبتمبر
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ