العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ

وماذا عن كربلاء المقدسة؟

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما كتبت قبل ايام عن النجف الاشرف الأسبوع الماضي اتصل بي أحد الأشخاص ليسأل: وماذا عن كربلاء؟ وهل تقل أهمية عن النجف في الوجدان الإسلامي الشيعي؟. .. وعدته ان يكون جوابي في هذا العمود. كربلاء لا تقل أهمية عن النجف، ولكن تاريخها يختلف من ناحية المؤثرات. خلال القرن السابع عشر والثامن عشر كان هناك سجال بين فقهاء الشيعة ما بين المدرسة الأصولية التي تؤمن بالاجتهاد على أساس القرآن والسنة والعقل والاجماع، وبين المدرسة الإخبارية التي تقول باحتواء القرآن والسنة - أخبار الرسول "ص" والأئمة "ع" - على كل ما يحتاجه المسلم. خلال حكم الصفويين في إيران كانت الغلبة للمدرسة الأصولية لأسباب عدة، ولكن بعد سقوط الدولة الصفوية في 2271م غلبت كفة المدرسة الإخبارية بزعامة الشيخ يوسف البحراني الذي اتخذ من كربلاء مقرا له في أواخر حياته. بعد وفاة الشيخ يوسف بدأت المدرسة الإخبارية تضعف وعادت المدرسة الأصولية إلى الصعود في كربلاء والتحقت بذلك بالنجف، حيث سيادة التيار ذاته لدى الفقهاء. مع مطلع القرن التاسع عشر ظهرت مدرسة فقهية جديدة في كربلاء تسمى "الشيخية" بقيادة الشيخ أحمد الاحسائي "عاش بين 3571 إلى 6281م"، وأصبحت كربلاء مهدا للنقاشات بين المدرسة الأصولية والمدرسة الشيخية، واستمر ذلك حتى الغزو العثماني لكربلاء في 3481 عندما سقط آلاف القتلى داخل وحول المشاهد المقدسة. قبل هذا العام، كانت كربلاء ولمدة عشرين أو ثلاثين سنة تدار بصورة شبه مستقلة، ولكن من دون حكومة رسمية، ما ساهم في ظهور مجموعات أخذت على عاتقها حماية المدينة. هذه المجموعات كانت ولاءاتها تتبدل بين فترة وأخرى، فمرة تأخذ ارشاداتها من فقهاء الأصولية ومرة من فقهاء الشيخية، ما أحدث اضطرابات بين فترة وأخرى وانفلات في ادارة الشأن العام، وهذا كان المبرر للغزو العثماني. كربلاء تختلف من ناحية النفوذ المادي ايضا، فبينما كانت النجف من أغنى المدن في هذه الفترة بفضل أموال الحقوق الشرعية والمساعدات التي تصلها من شمال الهند، كانت كربلاء غنية ايضا وتعتمد اساسا على التجار الإيرانيين. وهؤلاء التجار انتقلوا بكثرة إلى كربلاء بعد سقوط الدولة الصفوية في 2271 وتعاظم دورهم وأصبحوا المصدر الاساسي لثروة كربلاء. ولذلك فإن مدينتي النجف وكربلاء كانتا من المدن الغنية جدا مقارنة مع المدن العراقية الأخرى في القرن التاسع عشر، وكانتا محل جذب لأصحاب النفوذ ولمن اراد مستوى أفضل للمعيشة. بعد السيطرة العثمانية على كربلاء في العام 3481م، عادت كربلاء الى المدرسة الأصولية، وهذا ساهم في اتفاق فقهاء الشيعة في حدود العام 0581م "اثر اجتماع مهم بينهم جمع الفقهاء من مختلف انحاء العالم الشيعي" على اعتبار النجف المدينة الأهم من الناحية الفقهية، واعتمد الفقهاء منصب جديد اطلق عليه "المرجع الأعلى"، وتسلم هذا اللقب للمرة الأولى الشيخ مرتضى الانصاري "المتوفى في العام 4681م". الشيخ الانصاري حصل على اعتراف العلماء بأعلميته في الفقه الجعفري، واستعادت النجف منذ عهده مركز المدينة الدينية الأولى لدى الشيعة في كل مكان. واثبت الانصاري استقلاليته عن جميع السلطات، حتى انه رفض بعد العام 0681 تسلم المبالغ التي كانت تصل من الهند وكانت مصدر غنى النجف لأن الذي كان يوصلها القنصل البريطاني، وذلك بعد ان سيطرت بريطانيا على مقدرات الهند آنذاك. ومع استمرار المال الهندي في الوصول الى النجف بعد ذلك، الا ان الانصاري يعتبر بحق المؤسس لمفهوم "المرجعية الدينية العليا المستقلة عن السلطة السياسية"، وهو ما يمثله في العصر الحالي السيدعلي السيستاني، اذ يكاد ان يكون نسخة للشيخ مرتضى الانصاري. كربلاء تعود الى ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، والنجف ايضا تعود الى ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، فالمرجع الأعلى "السيستاني" إيراني، ومعه ثلاثة مراجع آخرين، أحدهم باكستاني "الشيخ بشير النجفي"... ولكن لا تسمع أي شخص يتحدث عن جنسية هذا المرجع أو ذاك، لأن كربلاء والنجف ومراجعها كانوا دائما لا يعيرون اهتماما لجنسية المرجع أو الفقيه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً