العدد 688 - السبت 24 يوليو 2004م الموافق 06 جمادى الآخرة 1425هـ

صانعو الأفلام في كوريا... والعولمة

كبرت تشا هيون - كيونغ وهي تشاهد أفلام هوليوود التي ينتقم فيها البطل الأميركي من الأشرار، أو امرأة جميلة مثل جوليا روبرتس تقع في حب قوقازي وسيم.

وفي بعض الأحيان كانت تشا تمل من أفلام هوليوود المحبوبة التي كانت تحقق مبيعات ضخمة، لكن لم يكن لديها خيار إذ لا تجتذب الأفلام المحلية في كوريا الجنوبية الكثير من المشاهدين، كما أنها محدودة الجودة.

ويتحتم على دور السينما الكورية أن تملأ 40 في المئة من برامجها من الأفلام المحلية، لكن القائمين على صناعة السينما ينتجون أفلاما ذات كلفة منخفضة لتغطية الحصة المطلوبة واستغلال التراخيص الممنوحة لهم في استيراد الأفلام الأجنبية.

لكن لم يعد الأمر كذلك، إذ تستمتع تشا البالغة من العمر 35 عاما والمحاضرة بجامعات سيئول بالكثير من الأفلام المحلية، وتقول إن جودتها شهدت تحسنا كبيرا، وتضيف «تعكس الأفلام المحلية في الفترة الأخيرة الثقافة والاهتمامات الكورية بشكل أفضل، ويعاودني الاهتمام من جديد بالأفلام الكورية».

وتشا واحدة من الكوريين الجنوبيين المقبلين على الذهاب الى دور السينما والذين أسهموا في تعزيز سوق الأفلام المحلية لما يصل إلى 70 في المئة هذا العام، بعد أن كانت النسبة 35,1 في المئة في العام 2001.

وطبقا لإحصائية أجرتها لجنة الأفلام الكورية، وهي وكالة حكومية تقوم بالدعاية للأفلام المحلية، استحوذت الأفلام المحلية خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، على 68,3 في المئة من الإقبال على دور السينما.

وجذب فيلمان محليان هذا العام أكثر من 10 ملايين مشاهد من مجموع السكان البالغ 48 مليون نسمة، يسمى أحدهما «تايجوكي»، وهو اسم العلم الكوري الجنوبي، والآخر سيلميدو، ويدور بشأن قصة حقيقية عن مهمة انتحارية فاشلة لاغتيال زعيم كوريا الشمالية.

وتزداد شعبية الأفلام الكورية الجنوبية في قارة آسيا، وفي بعض دور السينما بالولايات المتحدة وأوروبا الغربية، كما امتدت شهرة أبطالها خارج حدود البلاد.

وعندما قدمت شركة «يونيفرسال» العالمية فيلم «تايجوكي» في اليابان، حصل الفيلم على 1,6 مليون دولار خلال أول يومي عرض له في 26 و27 يونيو/ حزيران في 286 دار عرض، ليجيء ترتيبه الثاني على قائمة الأفلام الأكثر إيرادا بعد فيلم «هاري بوتر وسجين آزكابان».

وحظيت بعض الأفلام المحلية بثناء النقاد بل وأصبحت من الأفلام المفضلة في المهرجانات الدولية، فقد فاز المخرج بارك تشان - ووك بالجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي الدولي الشهر الماضي عن فيلمه العنيف «أولد بوي»، أو الولد العجوز، وعلى خلفية هذه الشهرة، قفزت صادرات كوريا الجنوبية من الأفلام السينمائية من 7 ملايين دولار في العام 2000 ، و11,3 مليون دولار في العام الماضي إلى 37 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الجاري.

ويرجع النمو المتصاعد في صناعة السينما الكورية الجنوبية إلى حد كبير لما يسمى بنظام «حصة الشاشة»، وهو الدرع القانوني الذي يطبق منذ عقود طويلة لحماية الأفلام المحلية في مواجهة طوفان الأفلام القادم من هوليوود.

ويطلب ذلك النظام من دور السينما أن تقوم بعرض الأفلام المنتجة محليا لمدة لا تقل عن 146 يوما في السنة، أي 40 في المئة من الوقت، وهو إجراء متبع لحماية ودعم الأفلام الكورية من خلال إتاحة الفرصة لصانعي الأفلام المحليين.

وعلى رغم الانتقاد الموجه لنظام الحصة بأنه يسير في الاتجاه المضاد للعولمة ومبادئ السوق الحر، فإن كوريا الجنوبية أصرت على المضي قدما في سياستها الحمائية التي بدأتها في العام 1967. وأعربت مجموعة من الممثلين وصانعي الأفلام الفرنسيين الذين زاروا سيئول في العام الماضي عن تأييدهم لنظام الحصة الذي تتبعه كوريا الجنوبية كوسيلة لحماية أفلامها المحلية والدعاية لتنوعها الثقافي.

لكن هذا النظام يواجه الآن تحديا من قبل صانعي الأفلام الأميركية إذ ترغب كوريا الجنوبية في توقيع معاهدة الاستثمار الثنائية مع الولايات المتحدة هذا العام للفوز بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وشكلت السياسة الحمائية التي تطبقها على أفلامها المحلية عائقا كبيرا في هذا الصدد. وقال وزير الثقافة والسياحة الكوري لي تشانغ - دونغ هذا الشهر إنه ينوي إلغاء نظام الحصة أو على الأقل التخفيف منه، وأشار لي، والذي فاز في العام 2002 بجائزة أفضل مخرج في مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي، إلى أن «الوقت حان للتفكير في التقليل أو التغيير في نظام حصة الشاشة».

وتعهد أيضا رئيس لجنة التجارة الخارجية الكورية كانغ شول - كيو، بمراجعة نظام الحصة خلال هذه السنة، مضيفا أنه ضد مبادئ التجارة الحرة. وجاءت هذه التصريحات وسط نداءات بإلغاء القيود تمهيدا لإبرام معاهدة الاستثمار بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، والتي تنص على معاملة غير تمييزية للاستثمارات في كلا البلدين، ويعتبر ذلك الاتفاق ضروريا لجذب الاستثمارات الخارجية، ويقول خبراء الاقتصاد إنها ستجذب استثمارات أجنبية بقيمة 40 مليار دولار.

وكان هذا الإجراء الذي يضع قيودا على الأفلام المستوردة يشكل دوما عائقا في طريق إبرام المعاهدة لسنوات كثيرة، ويطالب مسئولو الاقتصاد ورموز النشاط التجاري بإلغاء نظام الحصة من أجل اتفاق الاستثمار الذي تحتاج إليه البلاد بشدة.

ويقول أحد كبار المسئولين في اتحاد الصناعات الكورية، وهو الهيئة التي تدعم الأنشطة التجارية الكبيرة، «يمنع نظام الحصة من التنافس العادل المفتوح، كما أنه يضر بالعولمة والتي أهم ما يميزها هو إزالة اللوائح في كل قطاع من قطاعات المجتمع، لقد حان الوقت الآن لكي نفكر في إزالة تلك اللائحة الحمائية في عصر العولمة هذا».

وقال هذا المسئول ليونايتد برس انترناشونال «إن كوريا الجنوبية هي دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما أنها من الدول الموقعة على اتفاق التجارة العالمية، ونظام حصة الشاشة يخرق كل المبادئ والالتزامات الخاصة بالتجارة الحرة».

وتقول جمعية كوريا للتجارة الدولية والتي تتخذ من العاصمة سيئول مقرا لها إنه بسبب بعض القيود المتبقية، تباطأت العولمة في كوريا الجنوبية، مستشهدة بآخر تقارير مؤشر العولمة السنوي الذي يتم نشره في الولايات المتحدة.

وصعد صانعو الأفلام في أميركا من احتجاجهم على السياسة الحمائية التي تفرضها كوريا الجنوبية على أفلامها، فقالت جمعية الأفلام الأميركية إنه يجب على كوريا الجنوبية إلغاء أو تقليل نظام الحصة. وأضافت أن صناعة السينما هي أولا وأخيرا تجارة، وهذا النظام ضد مبادئ التجارة الحرة.

وفي ردهم على ذلك، احتج صانعو الأفلام والممثلون الكوريون بشدة، ووجهوا نداء للحكومة بالإبقاء على نظام الحصة.

وقال الممثل آن سونغ - كي، وهو رئيس لجماعة مؤيدة للحفاظ على نظام الحصة «لم تتغير البيئة التي تهدد فيها أفلام هوليوود السوق العالمية، على رغم صعود أسهمنا في هذه السوق»، وأوضح أن «إلغاء نظام الحصة سيوجه ضربة قوية لصناعة السينما المحلية».

وتقول رئيسة شركة ميونغ للإنتاج السينمائي شيم جاي - ميونغ، إن نظام الحصة يلعب دورا مهما في ضمان جودة الأفلام الكورية.

وأضافت أن «الأفلام الكورية المحلية لم تبدأ المنافسة في السوق إلا منذ ثلاث أو أربع سنوات، ولهذا فإنه من المبكر جدا الحديث عن إزالة إجراءات الحماية، إذ إن صناعة السينما المحلية لاتزال تحبو».

والتقى كبار رموز التجارة في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في سيئول يوم الجمعة لمناقشة اتفاقات التجارة الحرة والاستثمار، وأيضا لائحة نظام الحصة الذي يثير الكثير من الجدل.

وتقول عاشقة السينما تشا هيون - كيونغ «إنني أتفهم أهمية العولمة واتفاقات الاستثمار مع الولايات المتحدة، ولكني آمل أن تكون الأفلام المحلية تحت الحماية في مواجهة الأفلام الأميركية العملاقة لعامين آخرين أو ثلاثة، إذ أشعر بالقلق من اللهث غير المشروط وراء العولمة، الذي قد يضر بالصناعة في كوريا الجنوبية»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً