تصادف صدور تقرير 11 سبتمبر/ أيلول في واشنطن مع اختتام القمة السادسة للدول المجاورة للعراق في القاهرة. التقرير خرج بنتيجة مضحكة مفادها أن نظام صدام حسين لم تكن له علاقات مع تنظيم «القاعدة» وأن إيران سهلت مرور بعض العناصر التي ساهمت في الهجمات من دون ان تكون على علم بالضربة. وخرجت قمة دول الجوار بكلام مبهم مفاده أن العراق يتعهد بعدم استخدام أراضيه لتوجيه ضربات عسكرية ضد الدول المجاورة.
التقرير والقمة يعطيان فكرة عما حصل ويرسمان في الآن ملامح تطورات ربما تحصل بعد الانتهاء من فترة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
التقرير قال الكثير من الكلام وتدخل في تفصيلات مملة تحتاج بدورها إلى تدقيق وإعادة قراءة. إلا أن الجوهري في الموضوع هو ارتكاب الولايات المتحدة جريمة سياسية كبرى ضد العراق من دون سوق للأدلة الدامغة ومن دون وجود وثائق تثبت ضلوعه في الهجمات أو مخالفته القرارات الدولية التي منعته منذ تسعينات القرن الماضي من تطوير نظامه الصاروخي أو ما يسمى أسلحة الدمار الشامل.
ببساطة يخرج «تقرير سبتمبر» بهذه النتيجة المتعلقة بالعراق من دون اكتراث أو اعتذار أو تعويض أو حتى مجرد التفكير في النقد الذاتي والتراجع عن الخطأ. وببساطة أيضا يقفل «تقرير سبتمبر» ملف العراق ويفتح في ضوء تداعياته ملف إيران، من خلال التلميح بوجود خفايا يجب التحقق منها وربما و جود خيوط تربط بين طهران وهجمات سبتمبر. فالولايات المتحدة وبكل عقل بارد تغلق فصل العراق وكأن شيئا لم يكن لتفتح فصل إيران متوعدة بأن هناك اشياء يحتمل أن تفتح ملفاتها حين يأتي موعدها.
هكذا وبكل وقاحة تتصرف الولايات المتحدة ومن دون مراجعة نقدية لكل استراتيجيتها التقويضية التي أعلنت قيامها متذرعة بهجمات سبتمبر. فالتقرير يقول ما حصل قد حصل وواشنطن مستمرة في حربها المعلنة من دون قيد أو شرط ومن دون احترام للقانون الدولي وسيادة الدول.
واشنطن تعتبر أنها أخطأت في اتهام نظام بغداد ولكنها أصابت في حربها على العراق. فالحرب الخاطئة برأيها أثمرت نتائج صائبة وما حصل كان خطوة جيدة في استراتيجية عامة. وعلى القياس نفسه يمكن أن تلجأ واشنطن في حال جدد لجورج بوش ولاية ثانية إلى الذرائع نفسها ضد سورية أو إيران أو السعودية. فمن لا يعتذر عن خطأ اليوم لماذا يعتذر عن خطأ آخر يرتكبه غدا. فغدا قد تلجأ واشنطن إلى الذرائع نفسها التي ساقتها ضد نظام بغداد ثم تعود وتعترف مجددا بأنها اخطأت في اتهاماتها ولكن ما حصل قد حصل ولن نتراجع عن سياستنا.
هذه بلطجة جديدة ولكنها كما يبدو سائرة ولا يوجد من يوقف حركتها التقويضية ضد دول مستقرة نسبيا. هذا الاستقرار النسبي يبدو انه كان مثار نقاش في قمة دول الجوار السادسة في القاهرة. فالقمة تعهدت وهذا هو جوهر الموضوع بأن تضمن حدود بعضها بعضا. فسورية وإيران وتركيا والأردن والسعودية والكويت تضمن حدود العراق من خلال مراقبة التسلل، والعراق بدوره تعهد بعدم استخدام أراضيه لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن دول الجوار.
ويبقى السؤال: من يصدق الولايات المتحدة؟ فالعراق اذا تعهد لدول الجوار فإن التعهد بحاجة إلى تصديق الولايات المتحدة. والتصديق يتطلب القليل من الصدقية في السياسة الدولية. وحتى الآن لم تصدر اشارات جدية عن واشنطن بانها تراجعت فعلا عن خطأ ارتكبته أو انها في وضع يسمح لها بمراجعة نقدية لسياسة دشنتها بعد هجمات سبتمبر. فالمسألة اذا عرضة للتأويل وهي ليست في يد حكومة العراق... فالعراق تتعامل معه واشنطن كدولة محتلة لا تملك القرار المستقل ولا تتمتع بالسيادة لتقرير أمن جيرانها وضمان استقرار الدول المجاورة.
القرار العراقي اليوم والى فترة ليست قصيرة تملكه واشنطن وهي في النهاية تقرر وفق مصالحها عدم استخدام أراضيه منطلقا لهجمات أو حروب جديدة. فمثلا اذا قررت الإدارة في العام المقبل ان إيران لها صلة بهجمات سبتمبر وأعادت اختراع الأكاذيب المتعلقة ببرامج الصواريخ والسلاح النووي (أسلحة دمار شامل) فهل تستطيع حكومة العراق وقف سياسة الهجوم (الضربات الوقائية)؟ طبعا لا.
اذا ضمانات العراق لدول الجوار وهمية وهي كمن يبيع السمك في الماء. فالوعود بحاجة إلى سيادة وقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة. وهذان العنصران غير متوافرين الآن في بغداد. وحين يفتقد العراق قراره الخاص تتحكم واشنطن بسياسة بغداد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 687 - الجمعة 23 يوليو 2004م الموافق 05 جمادى الآخرة 1425هـ