العدد 686 - الخميس 22 يوليو 2004م الموافق 04 جمادى الآخرة 1425هـ

أوروبا تراهن على كيري لـ «تغيير إدارة» البيت الأبيض

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يتطلع الديمقراطيون إلى حلفاء الولايات المتحدة وخصوصا الأوروبيين لدعم مرشح حزبهم لانتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري، وذلك بزيادة العزلة على سياسات الرئيس الأميركي جورج بوش الخارجية وخصوصا في العراق. وكان كيري أعلن في شهر مارس/ آذار الماضي أن الزعماء الأجانب يريدونه أن يحل محل بوش.

وعلى رغم ما يقال عن اللون الباهت الذي يميز مواقف كيري في السياسة الداخلية والخارجية، فإنه اندفع في أجواء المزايدة القومية التي أججها الجمهوريون و«المحافظون الجدد» بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، إذ يصوغ كيري خطابا عن الأمن القومي يتبين أنه أكثر عدائية حتى وإن بدا متميزا عن خطاب الجمهوريين، وساعده في هذه المهمة فريق عمل صغير من المتخصصين في المسائل العسكرية معظمهم عمل في حكومة الرئيس السابق بيل كلينتون من أبرزهم مستشار الأمن القومي، صموئيل بيرغر ووزير الدفاع وليم بيري ومساعده أشتون كارتر ولورنس كورب العضو في مركز «أميركان بروغرس» الذي يضع خطط ودراسات الحزب الديمقراطي.

وإذا كان برنامج الديمقراطيين في مجال الدفاع والسياسة الخارجية ليس بعيدا عن برنامج إدارة بوش إلا أنه يتميز عنه في بعض النقاط المهمة، فبوش يعطي الأولوية لاستخدام القوة الأميركية من جانب واحد في إطار الهجوم الاستباقي، دونما اللجوء إلى الدبلوماسية وأساليب الإقناع التقليدية وسواء أكان حلفاء واشنطن يشاطرونها الرأي أم لا للعمل المسلح ضد أي ممن تسميهم «الدول المارقة» أو حجم الخطر الذي تشكله. وهو ما يعتبره بيرغر «تحولا جذريا في طبيعة السياسة الخارجية نفسها، فقد وضع بوش جانبا حتى فكرة الإقناع التي شكلت حجر الزاوية للأمن القومي منذ ما يزيد على خمسين عاما». فيما قال كيري في خطاب له أمام مجلس العلاقات الخارجية في 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي: «إذا انتخبت سأستعيض عن نزعة بوش الانعزالية بعصر جديد من التحالفات. طبعا إن الحرب الباردة انتهت إلا أن أخطارا جديدة تحيق بنا ما يجعل وجود الحلفاء إلى جانبنا ضروريا أكثر من أي وقت مضى». غير أن بيرغر أشار في الوقت نفسه إلى تماهي بعض بنود برنامج الديمقراطيين مع الخط المتشدد لإدارة بوش إذ قال: «يجب على إدارة ديمقراطية أن تؤكد مجددا عزم الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية، ومن جانب واحد إذا تطلب الأمر من أجل الدفاع عن مصالحها الحيوية».

لذلك فإن خبراء ومسئولين أميركيين حاليين وسابقين يرون أن التعاون الخارجي أصبح مسألة الساعة، وخصوصا في العراق. وأصبحت علاقات الولايات المتحدة مع كثير من الدول منفرة، الى درجة أنه في الوقت الذي تقوم فيه إدارة بوش بالضغط من أجل الحصول على مساعدة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لدعم مشروعها «الديمقراطي» في العراق من خلال الحكومة المؤقتة التي نصبتها في شهر يونيو/ حزيران الماضي، فإن أربع دول من «تحالف الراغبين» لدعم الاحتلال الأميركي انسحبت كما أن إدارة بوش لا تجد أيضا إلا قلة من المتطوعين الذين سيعرضون تقديم قوات لتأمين مهمة الأمم المتحدة الحرجة للإعداد لانتخابات عراقية.

وذكر مسئول أميركي كبير أن حكومة بوش لم تتلق حتى الأسبوع الماضي بهذا الشأن سوى إشارة من دولتين فقط، مضيفا «إنني لا أعتقد أن أحدا قال نعم حتى الآن». وتشير مصادر مطلعة إلى القلق المسيطر في البيت الأبيض بسبب ذلك، إذ إن إدارة بوش جندت باكستان من أجل ذلك، على رغم انشغال الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بـ «القاعدة وطالبان» في ساحته الخلفية. كما أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يرفض حتى الآن الاستجابة إلى طلب واشنطن الذي قدمته عبر وزير خارجية الحكومة العراقية المؤقتة المعينة هوشيار زيباري تزويد الأمم المتحدة بالحماية في مهمتها لإجراء انتخابات في العراق، إذ يرفض الأطلسي القيام بما هو أكثر من تدريب قوات عراقية. كما أن الأوروبيين خفضوا المحادثات بشأن مسائل رئيسية أخرى مثل البت في الديون العراقية، لتصبح المحادثات «دورانا بطيئا» على حد تعبير مسئول أميركي.

ويقدم مسئول كبير سابق في السياسة الخارجية في إدارج الرئيس السابق بيل كلينتون تفسيرا لذلك، بالقول إنه في الوقت الذي لم يبق فيه سوى أربعة أشهر فقط على انتخابات الرئاسة الأميركية فإن «الحكومات في أوروبا وأماكن أخرى تنتظرها»، مضيفا «إنهم لا يريدون عمل أي شيء لمساعدة بوش». وأكد دبلوماسي أوروبي أنهم يرغبون في دفع الانتخابات باتجاه كيري. وقال هذا الدبلوماسي إن «بعض الدول في الاتحاد الأوروبي لن تفعل أي شيء لمنع حدوث تغيير في النظام في واشنطن».

ويقول مسئول أميركي كبير إن الانتخابات التي ستجري يوم الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل توفر «عذرا» جديدا، للزعماء الأجانب لكي لا يقدموا أية مساعدة. وكوريا الشمالية أيضا، ربما تكون منتظرة لاقتراح أميركي لتفكيك برنامجها النووي مقابل معونة، مضيفا «إنني لا أعتقد أن هناك أشخاصا في كوريا الشمالية ينتظرون ليروا ما الذي سيحدث في نوفمبر. ولهذا السبب فنحن بحاجة إلى الاستمرار في الضغط».

وهناك طبعا أسباب أخرى كثيرة لعدم رغبة الأوروبيين في مساعدة الولايات المتحدة في العراق. فقد حولت المقاومة، العراق إلى كابوس سياسي للزعماء الأجانب بتصعيد عمليات المقاومة المسلحة والسيارات المفخخة، وعمليات الاختطاف المنتظمة، وقتل رهائن من بلدان «تحالف الراغبين» في بعض الأحيان، وكان آخر نتائجها ظهر الأسبوع الماضي برضوخ حكومة الفلبين لمطالب الخاطفين إذ سحبت قواتها من العراق لإنقاذ رهينة هو سائق سيارة شحن. كما أن الغضب يظل مرتفعا، وخصوصا في أوروبا بشأن تردد بوش في الاعتراف بأنه ارتكب خطأ بشأن العراق على رغم الأدلة الكاسحة والتي ورد آخرها في تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ والتي يسيطر عليها الحزب الجمهوري، بأن قضيته الرئيسية من أجل الحرب كانت من دون أي أساس. ناهيك عن زيادة مشاعر العداء تجاه بوش وأميركا في الخارج كما تظهر استطلاعات الرأي، الى درجة أن الكثير من الزعماء الأجانب لا يستطيعون الموافقة على أي شيء يطلبه الرئيس الأميركي من دون توجيه انتقاد وفق تقييماتهم.

وبالنسبة الى حملة كيري - إدواردز الانتخابية، فإن كل المشاعر المناهضة لبوش في الخارج تمثل مشكلة سياسية حساسة، فمن جهة، فإن فريق كيري لايزال يحاول المجادلة بأن المرشح الديمقراطي سيقدم حقائق مغايرة في حل الأزمات الأجنبية، ولكن الديمقراطيين يخشون أيضا من ردود الفعل المعاكسة مثل النوع الذي أوحاه كيري بتعليقه في شهر مارس. وهم يرفضون الاقتراحات القائلة إن كيري يقوم بتقويض السياسة الأميركية، على نمط ما يزعم أن الرئيس السابق ريتشارد نيكسون قد فعله، في العام 1968، بـ «خطته السرية للسلام» في فيتنام. ويقول المسئول السابق في إدارة كلينتون إنه «على العكس من ذلك، فإن كيري انتقد إسبانيا لسحب قواتها من العراق»، مضيفا إننا نقول للحلفاء: «إننا لا نفهم لماذا لا تقومون بالمساعدة الآن». ولا يتسنى لنا «أن نتبين ما إذا كانوا سيقدمون المساعدة قبل شهر نوفمبر».

غير أن الأوروبيين الذين يفضلون بوضوح كيري، يبدون في الوقت نفسه بعض التخوفات بسبب تراجعه الواضح في العراق وهو أمر لا يساعده، فقد أعلن أنه مع بقاء القوات الأميركية في العراق، موضحا وفق رؤيته الاستراتيجية كسب الحرب على العراق، «يجب أن ننجح في العراق، فنحن لا نستطيع السماح بترك هذا البلد ينهار ليصبح معسكرا تدريبيا شاسعا للإرهابيين المعادين لأميركا». لكنه في مطلق الأحوال يشدد على ضرورة انضواء القوات الأميركية تحت راية الأمم المتحدة وتكليف قوات الأطلسي مهمة عمليات حفظ السلام

العدد 686 - الخميس 22 يوليو 2004م الموافق 04 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً