العدد 685 - الأربعاء 21 يوليو 2004م الموافق 03 جمادى الآخرة 1425هـ

كتاب لإيرانية في المنفى يسترجع ذكريات جيل بكامله

صدر كتاب "القصص المصورة" للإيرانية مرجانة ساترابي باللغة الألمانية والذي أنجزته تحت عنوان "برسيبوليس" تحكي فيه تجارب الطفولة التي عاشتها في إيران. وتمت ترجمة الكتاب إلى عدد من اللغات العالمية. يدور مضمون كتاب القصص عن حوادث تمت في إيران في نهاية السبعينات: إنها حكاية طفلة صغيرة تذهب إلى المدرسة مثل كل الأطفال ولباسها عادي لكن ما هو غير عادي... حياتها. بينما كان والداها يتظاهران في الشوارع ضد شاه إيران، كانت هي تلعب في الحديقة مع صديقاتها لعبة "الثورة". وبعد ظهور الجمهورية الإسلامية اختفى فجأة الكثير من الأقارب ومعارف العائلة. وكان على "مارجي"، وهو اسم تلك الطفلة، أن تضع الحجاب. ولم تتوقف عن السؤال عن سبب ذلك. في نهاية القصة نجد مارجي وغدت فتاة في عشريتها الثانية، في سن الرابعة عشرة يرسلها والداها إلى النمسا لتعيش هناك عند عمتها وكان ذلك في العام .4891 تلك الفتاة تبلغ 43 من العمر الآن وهي تقيم في باريس وتعمل رسامة للقصص المصورة. في الحقيقة كانت مرجانة ساترابي تشتغل على إنجاز رسوم كتب الأطفال، لكنها قررت في ما بعد أن تنجز قصتها الخاصة وتروي حكايات عن موطنها الأصلي. فقد كان يثير الحزن في نفسها مدى الاستخفاف والتسرع والضحالة الذي يتم به تناول الموضوعات الخاصة بإيران والدين الإسلامي والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية. كان ذلك قبل أربع سنوات. وعلى الفور حقق كتابها نجاحا كبيرا في فرنسا وبيع منه أكثر من 002 ألف نسخة ثم لحقت ذلك ثلاثة مجلدات إضافية. ومنذ شهر مارس/ آذار الماضي نشوء المجلدين الأول والثاني من قصص برسيبوليس باللغة الألمانية أيضا، وتتضمن قصص فترة الطفولة والشباب في حياة مرجانة ساترابي. هناك مسألة تحرص ساترابي على توضيحها في اللقاء معها وهي أنها تروي قصتها الخاصة في كتابها:برسيبوليس "طفولة في إيران" كما لو أنها لا ترغب في أن تكون الناطقة باسم جيل بأكمله. ومع ذلك فإن ما يميز عمل ساترابي هو أن الكثير من الإيرانيين والإيرانيات الذين ترعرعوا في إيران إبان السبعينات والثمانينات مثلها يجدون أنفسهم مأخوذين مع تلك القصة وكأن مرجانة ساترابي تتحدث باسمهم. وكتاب "برسيبوليس" لا يثير فقط الإعجاب والاهتمام ومزيجا من المشاعر لدى بني وطنها فقط. فالقصة مروية بأسلوب نابض بالحياة يجعل حتى من يتابع الأمر من موقع الأجنبي الغريب يشعر أنه بإمكانه حتى وإن لم يكن بوسعه فهم مجمل حوادث تلك الفترة في كل تعقيداتها وتشابكاتها أن يلمس مدى عمق التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت بها إيران. حكم الشاه ونهاية عرش الطاووس وإرساء سلطة الملالي وكذلك الحرب العراقية الإيرانية التي تركت كلها آثار دمارها حتى داخل طهران نفسها. وفي المقام الأول هناك أمر يتضح من خلال هذا العمل وهو: على أي حد كان على أناس من أمثال مرجانة وعائلتها أن يتألموا من جراء حوادث السبعينات والثمانينات؟ كانت عائلة مرجانة تنتمي إلى أوساط الطبقة العليا في المجتمع فأسلافها ينحدرون من فصيلة الطبقات الحاكمة الفارسية العريقة. وحصلت مرجانة على تربية مستنيرة وأعضاء أسرتها ليبراليون انخرطوا في النضال ضد نظام الشاه المتميز بالفساد. وتوفي جدها في السجن الذي أقام فيه سنوات طويلة بينما كان المثقفون أيضا من أوساط الأقرباء وأصدقاء العائلة يزج بهم في السجون لكن الرعب اليومي عاد نفسه أيضا بعد الانقلاب على الشاه وظهور الجمهورية الإسلامية. تقول ساترابي إنها من أنصار السلام وهي تكره كل رؤية سياسية قاتمة تجاه العلاقة بين الشرق والغرب وتشكو من أنه كلما حصل شيء بغيض في الشرق يتم ربطه على الفور ومباشرة بالإسلام. تقول: لكنني لا اعتقد أن ذلك جزء من الثقافة الأوروبية، أن يقوم مسيحيون أوروبيون يوما ما بارتكاب أعمال القتل باسم المسيح وأن وجود متدينين متعصبين داخل مجتمع ما لا يعني البتة أنهم بسبب أعمالهم يمثلون جزءا من ثقافة المجتمع الذي ينتمون إليه. ساترابي الإيرانية تؤمن بأواصر التشابه الثقافي أكثر من الاختلافات والحدود الفاصلة التي تقسم العالم إلى غرب وشرق. تقول: إن الإنسان يتصل دوما وبطريقة ما شرقا وغربا بشخص ما أو بشيء ما وتضيف: إننا أكثر قربا من بعضنا لكن قليل أولئك الذين يعرفون ذلك. في أوروبا مايزال هناك اعتقاد إلى حد ما بأن الميثولوجيا الأوروبية لها جذورها في الحضارة الإغريقية. لكن لا أحد تقريبا يعرف أن للكثير منها أيضا جذورا في إيران. لكن الأهم بالنسبة لمرجانة ساترابي هو أن يفهم الناس أن الجميع سواسية، بغض النظر عن البلاد التي ينتمون إليها. وإن فن القصص المصورة هو السبيل للتأكيد على هذا الأمر وتقول في هذا السياق: أعتقد أن القصص المصورة لغة عالمية وكونية. والمشاعر يمكن فهمها من طرف الجميع بغض النظر عن الثقافة التي ينحدرون منها فإنسان ضاحك أو باك يعني بالنهاية الشيء نفسه إن كان في طهران أو في بوسطن. تعيش مرجانة ساترابي منذ سنوات كثيرة في باريس. بعد فترة إقامة في النمسا عادت إلى إيران لبضع سنوات ثم سافرت من جديد لتقيم في أوروبا. والداها مازالا يقيمان في إيران. هل يمكن لمرجانة ساترابي التي تمنح نفسها في كتابها صورة الفتاة المشاكسة والقلقة والمشبعة بحب الإطلاع أن تتصور أنه بإمكانها العودة إلى إيران؟ تجيب قائلة: كثيرا ما أتحدث عن إيران وعن الصور المغلوطة والكليشيهات التي تنشر عن بلدي لكن السنوات الـ 52 التي هي عمر الجمهورية الإسلامية ترزح علي مثل حمل يرهق كاهلي. لكن على رغم هذه المشاعر الباردة تجاه الجمهورية الإسلامية تعترف مرجانة ساترابي أن هناك في إيران اليوم جيل جديد غير مثقل بأعباء الماضي وهو ما يبعث على الأمل لدى ساترابي. فثلثا مجموع الطلاب الإيرانيين غدا الآن أكثر تفتحا واستعدادا للحوار مع الثقافات الأخرى. وهؤلاء الطلاب من فتيات وشباب يستخدمون التقنيات العصرية المتطورة والانترنت والكثير منهم ينشطون بالمقام الأول في مجالات الموسيقى والكتابة الأدبية والفنون وتقول ساترابي: الساحة الفنية في إيران تتميز بمستوى عال من الالتزام على رغم من أن الفنانين هناك غالبا ما يعانون من شتى المصاعب. وإن مهرجان "القرابة البعيدة" بشأن الحركة الفنية الإيرانية الذي نظم أخيرا في دار ثقافات العالم بمدينة برلين لدليل قاطع على نشاط هذه الحركة بحسب تصريح صاحبة القصص المصورة التي شاركت هي أيضا في فعاليات المهرجان المذكور. إن تقديم صورة عن العالم الإيراني وتجسيد وقائع الحياة في العصر الحالي عن طريق القصص المصورة هي طريقة فريدة من نوعها لفهم الكيفية التي عاشت بها مرجانة ساترابي طفولتها في إيران. ولهذا السبب بالذات يعتبر عملها كتابا يؤرخ تاريخ بلده في حقبة مهمة وكذلك حياة أبناء وبنات جيلها. فهي نجحت عن طريق صور بسيطة وثرية بمظاهر الاختلاف والتنوع في سرد تشابكات التغيرات الاجتماعية دون اللجوء في ذلك إلى اتخاذ مواقف مسبقة جاهزة. وبهذه الطريقة تعطي مرجانة ساترابي للعلاقات المجردة ولسيرتها الذاتية وجها حيويا. ولعل ذلك ما جعل كتابها يحقق هذا النجاح الملفت للنظر إذ تجري ترجمته حاليا للغة اليابانية أيضا ويطرق باب ثقافة جديدة بعد أن نجح في طرق أبواب ثقافات أخرى





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً