لا يعرف مصطلح «المشد» إلا الصيادون القدامى ومن يتبعون خطواتهم الواحدة بعد الأخرى في البحرين من زمن الأجداد مع التجديد، وهي كلمة تراثية متأصلة في أعمق أعماق البحارة الذين صارعوا البحر بغيبه وأمواجه وخطورته التي أصبحت بالنسبة لهم أمرا طبيعيا لا يستدعى هذا التخويف الذي يطلقون عليه؛ أما المتطفلون عليه وعلى الصيد اليوم لا يملكون إلا طريقتين دارجتين عند المبتدئين وهما: أما الاصطياد بالشباك والصنارة بشكل عشوائي من دون معرفة أماكن الصيد ولا «المحدق»، أو بوضع «القراقير» بانتظار مصادفاتهم العمياء على طريقة: «يا تصيب يا تخيب»، أو ضربة حظ ليس كما في علم «البحث الكمبيوتري»، وإنما هكذا صدفة من دون خبرة ودراية بطرق النصب لاصطياد الأسماك في «المد والجزر».
وللمِشدْ حكايات، يعترف الكثيرون بجهالتهم لبداية 'اختراعه'، لكنهم في أقل تقدير يدركون نتائج هذا الاختراع العجيب، وحقيقته الرائعة جدا ممارسة، على رغم عدم الادعاء بـ «إنشتانيته»، فالذين مارسوه بحكم التجربة، ومصارعتهم شظف العيش ابتكروه بشكل إبداعي جميل، وكرروه بإبداع فني آخر ضمن أدوات جديدة تتماشى ومستجدات العصر لا تكرارا لما ورثوه تاريخياُ؛ وقيل إن «الفن إبداع وليس تكرارا».
ربما كان «المركب المقصوص» بما يحتويه من إطارات سيارات وزوايا حديدية، خير شاهد على «المِشدْ»، إذ تكاثرت الأسماك حوله، وكثر الصيد بجانبه وعلى أطرافه كلما تقادم الزمن ببروز النتوءات والقواقع البحرية وما إلى ذلك من تأثيرات البيئة البحرية عليه، حتى أصبح بيتا للأسماك في المياه العميقة وملجأ لها للتكاثر.
في السابق يرمي البحارة المتمرسون، في قاع البحر العميقة «الخور» كتل حديد وإطارات وأحجارا مختلفة الأحجام وينتظرون عليها ستة أشهر إلى سنة ليتكاثر حولها الصيد بأسماكه المتنوعة، وأما الابتكارات الحديثة، فترمى سيارة «سكراب» بكامل معداتها، أو صنع بيت متكامل من أنابيب حديدية تثبت فيه إطارات وما إلى ذلك من أدوات الثبات لجذب الأسماك، وكلما كان هذا البيت كبيرا، كلما در بالنفع على أصحابه الذين يعرفون مكانه بآلة إلكترونية تحدد موقعه وموقع «القراقير» بالسنتيمتر.
واضح، أن وصفة «المِشدْ» هذه التي يعرفها أهالي «الحد وقلالي ورأس الرمان وسترة والنبيه صالح والزلاق»، والصيادون المحترفون من أول نقطة في البحر إلى آخر المياه الإقليمية في جزر البحرين، لا تشكل خطورة إعلامية في كشف أسرارها، بل على العكس من ذلك، غير أن نشر، أو بث «خلطة» صنع المتفجرات والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة برسوم بيانية توضيحية، وما إلى ذلك من إبداعات القتل وذبح مختطف كالخروف بيد مختطفيه الذين يتباهون أمام الكاميرات بالدم الذي ينزف كالنافورة من رقبته، ويدلون ببيان يبررون وحشيتهم وهم ملثمون، هنا الخطورة بعينها لمن لا يجيد فهم الحرية، ومعنى السبق الصحافي والإثارة الإعلامية.
الحمقى كثيرون، والمستاءون كذلك، وربما اليائسون قد يتلقون إشارات مغلوطة عن طريق البث التلفزيون «للنحر الآدمي» ويتلذذون بثقافة القتل هذه التي تبدأ للأسف بـ «البسملة» وتنتهي بالمذبح البشع وتجد من يؤيدها عبر أبطال فضائيات الصراخ التي تلوّث الآذان والعقول، وكذلك الحال بالنسبة إلى نشر «وصفة» صنع أسلحة الموت، و«أفضل» الطرق لتنفيذ العمليات المجنونة، فهذا إعلام بمثابة «مِشدْ» من نوع آخر، ليس لاصطياد الأسماك بل للبشر الأبرياء، ولاقتصاد الدول ونشر الموت، بدلا من محاولات وقفه من عقليات التكفيريين
العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ