العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ

الصحف الغربية: باختصار أخطأنا

بعد التحقيقات البريطانية والأميركية

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

تناولت الصحف الأميركية والبريطانية على حد سواء وبشكل لافت نتائج التحقيقات التي جرت في كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بشأن حقيقة المزاعم التي تم تداولها والمعلومات التي أثيرت بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية والتي أثبتت تقارير البلدين تبرئة زعيميهما جورج بوش وطوني بلير من المسئولية، وعزيت المسألة برمتها إلى فشل استخباري، فأجمعت الصحف الغربية على أن الرجلين مذنبين، ورأت الصحف البريطانية ان رئيس الوزراء قد يكون أفلت من توبيخ بتهمة إساءة استخدام معلومات الاستخبارات، لكن صدقيته لاتزال على المحك. فاللورد باتلر قدّم ما يكفي من الأدلة للطعن في موقف بلير، لكنه توقف في الوقت المناسب كي لا يوجه إليه ضربة قاضية.

واعتبر جوناثان فريلاند في «الغارديان» ان اللورد باتلر لم يوجه ضربة قاضية إلى رئيس الوزراء، لكنه قدم علبة أنيقة من السكاكين الحادة. فباتلر لم يضطلع بدور القاتل، لكنه قدم إلى بلير سترة واقية من الرصاص وقدم إلى الرأي العام كمية من الرصاص. ولم تكتف الصحف بتوجيه الانتقادات إلى كل من بوش وبلير، بل ان واحدة من كبريات الصحف الأميركية أجرت نقدا ذاتيا للأسلوب الذي اتبعته في الوقوف إلى جانب الإدارة الأميركية والحملة التي شنتها على الأمم المتحدة لإشراكها في قرار الحرب على العراق. فقد أجرت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها مراجعة ذاتية لأخطائها قبل الحرب على العراق. مستعيدة شريط المواقف الخاطئة التي اتخذتها دعما للحرب على العراق... كما طالبت الكونغرس الأميركي بألا يسمح بتكرار الخطأ في أي بلد آخر... وإذ أشارت إلى انها لم تكتف يوما عن مطالبة الإدارة الأميركية بعدم شن هذه الحرب من دون إجماع دولي، لفتت إلى أنها وافقت الرئيس بوش على أن صدام حسين كان يملك أسلحة تشكل خطرا على أمن الولايات المتحدة وحلفائها. لذلك طالبت في حينها مجلس الأمن الانضمام إلى إدارة بوش لمساعدتها على نزع أسلحة صدام. غير ان الصحيفة أقرّت بأنها كانت على خطأ فقد تبين ان العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، وانه كان يجدر بها أن تترك المجال مفتوحا أمام احتمال عدم وجود تلك الأسلحة. وذكرت «نيويورك تايمز»، بالنظرية التي بنت عليها تأكيداتها بشأن وجود أسلحة دمار في العراق، والتي تفيد بأنه لو ان تلك الأسلحة لم تكن موجودة لكان العراق قد تعاون أكثر مع المفتشين الدوليين من أجل تفادي الحرب. ورأت انه على رغم من ان تلك النظرية كانت منطقية إلا انها تبقى في النهاية مجرد نظرية. ففريق التفتيش الدولي الذي زار العراق في العام 2002 لم يجد أدلة على وجود أسلحة محظورة حتى في المواقع التي طلبت وكالات الاستخبارات الأميركية الفريق بزيارتها. وإذ أشارت «نيويورك تايمز»، إلى احتمال أن يكون صدام قد دمر برامج التسلح قبل الحرب على أمل بنائها من جديد في وقت لاحق، أكدت ان اللوم لا يقع على الشعب الأميركي ووسائل الإعلام في عدم فهم ذهنية الدكتاتور العراقي. فببساطة كان من الصعب توقع الخطوات التالية لصدام حسين. إلا ان «نيويورك تايمز» استدركت في هذا السياق لافتة إلى انه كان يجدر بها أن تصغي بدقة إلى الذين خالفوا رأيها حيال الأسلحة العراقية. غير ان الواقع ان غالبية المسئولين الأميركيين كانوا متأكدين من أسلحة في العراق. وهذا كان كافٍ لعدم إثارة الشك بشأن صحة ذلك. واليوم تشير الصحيفة الأميركية إلى انها أصبحت تدرك انه على رغم كون صدام حسين طاغية خطيرا إلا ان الحرب على العراق التي أثارت موجة حقد من جانب الشعوب الإسلامية وأدت إلى إحداث شرخ في المجتمع الدولي، لم تكن الحل المناسب. وأكدت ان صدام حسين وجيشه «الصدئ» لم يشكلا خطرا حتى على أمن الشرق الأوسط، لذلك فلم يكن من الضروري شن تلك الحرب. وختمت الصحيفة بأنه طالما ان الأميركيين موجودون اليوم في العراق فعليهم أن يبذلوا ما في وسعهم من أجل إحلال الاستقرار في هذا البلد قبل أن ينسحبوا منه. مطالبة بأن يبنى الالتزام بإحلال الأمن في العراق على مبدأ النزاهة وليس على معلومات ملفقة كما حصل مع قرار الحرب. كما طالبت الكونغرس الأميركي بعدم إعطاء الضوء الأخضر للإدارة بشن حملة عسكرية على أي بلد كان من دون وجود أدلة قاطعة. ولاحظت «ديلي تلغراف» البريطانية أن بلير نجح في الخروج من هذه القضية وانه لايزال في موقع جيد. في حين لاحظ أحد أهم كتابها، طوني هيلمان، ان أربعة تقارير لم تؤد إلى نهاية بلير. تلك كانت استنتاجات معارضي رئيس الوزراء... بعدما نجا سياسيا مرة أخرى. ولفت إلى أن رئيس الوزراء بدا أكثر ثقة من أي وقت مضى في اليوم الذي كان يفترض أن يكون من أسوأ أيام «حياته السياسية». واعتبرت افتتاحية «ديلي ميرور» انه الذهاب إلى الحرب، فإن ذلك لا يغير واقع كون الشعب البريطاني قد خُدع. ورأت «الغارديان» انه على رغم من ان تقرير اللورد روبن باتلر، برّأ بلير، لكنه سلط الضوء على قدراته إذ بدا انه لا يجيد التصرف في الحكومة. ولاحظت ان تقرير باتلر ركز بشكل أساسي على أداء الاستخبارات البريطانية. وأوضحت ان باتلر المكلف بالتحقيق في المعلومات التي وفرتها أجهزة الاستخبارات عن الترسانة العراقية، لم يوجه أية تهمة إلى شخص معين، بل فضل توجيه انتقادات للجهاز الاستخباري بكامله. لكنها أكدت ان هذا الأمر لا يبرئ بلير بتاتا بل على العكس فإن التقرير يضع رئيس الوزراء البريطاني، تحت المجهر وصدقيته لاتزال على المحك إذ ان هذا التقرير هو أشبه بتأكيد على ان بلير ليس أهلا لمواجهة أي نوع من التحديات السياسية أو حتى الشخصية. وبالاستناد إلى تقرير باتلر، فإن بلير، لم يكذب لكن ما من شيء يثبت ان رئيس الوزراء البريطاني يقول الحقيقة كاملة. وشددت «الغرديان»، على ان انعدام الأدلة لا يعني تبرئة المتهم فعليا (في إشارة منها إلى ان انعدام الأدلة التي تدين بلير هي ما أبعد تهمة الكذب عنه وليس وجود أدلة تثبت براءته). وأملت في نهاية المقال ألا يكون تقرير باتلر هو القشة التي تنقذ بلير من الغرق. وتصدر «الإندبندنت» صفحتها الأولى ملخص لأهم ما ورد في تقرير اللجنة المستقلة برئاسة اللورد باتلر. وإذ أشارت إلى ان تقرير باتلر أظهر ان هناك أخطاء كبيرة في معلومات أجهزة الاستخبارات، ويؤكد في الوقت نفسه ان طوني بلير غير مسئول عنها، أوضحت «الإندبندنت»، ان التقرير يشدد على ان المعلومات الاستخبارية بشأن أسلحة العراق «معيبة»، وأن الملف الذي أعدته أجهزة الاستخبارات عن هذه الأسلحة «مراوغ» وأن الادعاء بقدرة العراق على نشر أسلحة دمار شامل خلال 45 دقيقة «خاطئ». فتساءلت الصحيفة البريطانية، على من يقع اللوم في كل ذلك؟ لافتة إلى ان الإجابة التي قدمها التقرير هي ببساطة «لا أحد». هذا وأكدت «الإندبندنت» ان عددا من نواب البرلمان البريطاني شعروا بخيبة أمل لأن تقرير باتلر لم يضع مسئولية الأخطاء على عاتق أفراد محددين، واكتفى بالقول ان هناك مسئولية جماعية عن هذه الأخطاء. وأجرى انطوني كوردسمان في موقع «سي.اس.آي.اس» (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية) على الانترنت، مقارنة بين تقرير اللورد روبن باتلر، وتقرير لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بشأن تبريرات الحرب على العراق. فلاحظ ان تقرير باتلر يتضمن نقدا غير مباشر لتقرير اللجنة الأميركية لاسيما لجنة افتقاد الأخير إلى الاحتراف وغياب هدف واضح للتقرير. ولفت إلى ان أية مقارنة بين التقريرين تدل بشكل واضح إلى ان التقرير الأميركي وضع من أجل توجيه اللوم إلى المجتمع الاستخباري الأميركي وتجاهل أي دور للسياسيين في ظل إدارتي بيل كلينتون وبوش الابن. كما ان اية مقارنة تجرى بين التقريرين ستؤكد ان تقرير الاستخبارات الأميركية لم يؤمن المنطلق اللازم لحل المشكلات التي تعاني منها أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة، وإدراك الحدود التي تؤطر عمل هذه الأجهزة. وباختصار يعلق كوردسمان، ان تقرير اللجنة الأميركية لا ينم عن كفاءة ولا عن احتراف. فهو لم يعالج بعمق مسألة جمع المعلومات الاستخبارية بشأن أسلحة صدام حسين، بل ألقى نظرة عامة على هذا الموضوع. كما انه لم يجر دراسة تاريخية بشأن أسلحة العراق على الأقل ابتداء من العام 1990 حتى اليوم. هذا ولم يتطرق التقرير الأميركي بحسب كوردسمان، إلى السبل التي يجب اتباعها من أجل تحسين قدرات الأجهزة الاستخبارية ولاسيما قدراتها التحليلية بدلا من الاكتفاء بتوجيه الانتقادات إليها. وهذه أمور تطرق إليها تقرير باتلر، بتمعن وموضوعية، يضيف كوردسمان. غير انه لم ينفِ وجود ثغرات في تقرير باتلر، خصوصا لناحية إفراطه في التهذيب. هذا ورأى المعلق الأميركي ان التقريرين أخفقا في الوقت نفسه في تحليل ما إذا كانت الاستخبارات البريطانية والأميركية قد قامتا بتحليل عمل لجنة «أنموفيك» قبل الخروج باستنتاجاتهما. كما فشلتا معا في النظر إلى مدى التأهب للحرب على العراق إن من جانب الولايات المتحدة أو من جانب بريطانيا.

من جانب آخر وجه جورج فريدمان في «غلوبل إنتلجنس» (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) من على موقعه على الانترنت، انتقاداته لإدارة بوش. ورأى انه على رغم ان ما توصل إليه التقرير منطقي وصحيح، إلا انه لابد من التنبه إلى ان الإدارة الأميركية تتحمل أيضا جزءا كبيرا من مسئولية الأخطاء المرتكبة خلال السنة الماضية. فصحيح ان وكالة الاستخبارات بنت استنتاجات خاطئة، شنت على أساسها الحرب على العراق، غير انه لابد من الإقرار بأن إدارة بوش كانت مقتنعة بأن النظام العراقي السابق يملك قدرات كيماوية وهو يطور قدراته النووية، وهذا ما أعلنته الـ «سي.آي.ايه». فشدد على ان ثمة مسألتين يجب التوقف عندهما لأنهما تثيران الاستغراب حقا. المسألة الأولى هي ان إدارة بوش كانت تشكك في نوايا نظام صدام النووية، غير انها أعلنت عن عزمها شن حرب ضد العراق، قبل سنة تقريبا من بدء الأعمال العسكرية على رغم ان هذا الأمر كان من الممكن له أن يفسح المجال واسعا أمام العراقيين لتسريع خطوات تطوير القدرات النووية وبالتالي توجيه ضربة «قاتلة» لأميركا. أما المسألة الثانية، التي تدعو إلى التساؤل فهي انه بعد أن تنبهت واشنطن إلى ان لدى باكستان قدرات تهدد أمن الولايات المتحدة أكثر من القدرات العراقية، أصرت على غزو العراق، علما بأنه من الأسهل «للقاعدة» الحصول على مواد أشد خطورة من الباكستانيين؟ وتساءل فريدمان، لماذا لم توجه أميركا ضربة لباكستان وأصرت على إزالة النظام العراقي؟ وهنا استخلص فريدمان، ان الهدف من الحرب على العراق هو تحقيق مآرب استراتيجية وليس تدمير أسلحة دمار شامل عراقية. وأكد ان المعلومات الاستخبارية المغلوطة التي حصلت عليها إدارة بوش، لم تكن سبب حماسة الإدارة الأميركية لضرب العراق. معتبرا ان كل ما تسبب به الفشل الاستخباري، هو السماح للإدارة الأميركية باستخدام الأسلحة العراقية ذريعة لشن الحرب ليس إلا. مشددا على ن الإدارة كانت ستبحث عن أي عذر لضرب الأراضي العراقية حتى ولو لم تقدم الـ «سي.آي.ايه» معلوماتها التي اتضح انها خاطئة. وكرر ان وكالة الاستخبارات المركزية، قد تكون مسئولة عن قراءة إدارة بوش لمسألة أسلحة الدمار الشامل بطريقة خاطئة، لكن هذه الإدارة أخفقت في طرد القيادات الفاشلة للوكالة على رغم الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت وأدت إلى نجاح هجمات 11 سبتمبر/ أيلول مثلا. وشدد على ان إدارة بوش هي التي لم تنجح في إعادة بناء مجتمع استخباري ناجح بعد أن ثبت ان الجهاز الحالي فشل فشلا ذريعا في السيطرة على قوة «إرهابية» كبيرة مثل «القاعدة». على أية حال، رأى فريدمان، انه بغض النظر عما جرى ويجري حتى الآن في الولايات المتحدة إلا انه لابد من التزام الحيطة والحذر جيدا لأن أميركا عرضة لاعتداء محتمل في الصيف

العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً