عرف المغرب خلال الأيام القليلة الماضية حدثا مهما تمثل في تصديق مجلس الوزراء برئاسة الملك محمد السادس على مشروع قانون يرفع يد الدولة عن الإعلام الإذاعي والتلفزيوني، والذي اعتبره الكثيرون أنه يشكل نقلة نوعية تؤسس لمرحلة جديدة من شأنها تأهيل المشهد الإعلامي المغربي.
في هذا الإطار اعتبر الناطق الرسمي باسم القصر الملكي حسن أوريد المشروع بكونه يندرج في إطار النهج الإصلاحي الذي يعرفه المغرب والقائم على توسيع الحريات العامة وترسيخ قيم الحداثة والديمقراطية ووضع الإعلام لصالح التنمية في إطار سلسلة الخطوات التي تم اتخاذها لإنهاء احتكار الدولة للإعلام وتعيين مجلس أعلى للإعلام. كما يأتي هذا المشروع لإغناء المتن القانوني ووضع المبادئ العامة المؤطرة للانفتاح والشروط اللازمة لولوج الفضاء السمعي البصري وفق دفتر تحملات وقواعد مهنية لممارسة المسئولية ومراعاة الخصوصيات الوطنية، موضحا أن المشروع ينص كذلك على تحويل الإذاعة والتلفزيون الرسميين إلى شركة تسمى «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» من جهة، ويوضح من جهة ثانية الوضعية الخاصة للقناة التلفزيونية الثانية «دوزيم» التي ستحتفظ بمهمات المرفق العام في إطار تصور منفتح على التحديات الآنية والمستقبلية. ويحدد مشروع القانون مجالات جديدة وظروفا أحسن للاشتغال ستتقوى بإحداث هيئات تساهم في الجهود المبذولة لإرساء مجال سمعي بصري جديد منفتح وأكثر حرية سيجعله قادرا على مواكبة التطورات التي يشهدها مغرب اليوم.
بن عبدالله: القانون يتوج تكريس مجال الحريات والبناء الديمقراطي
أكد وزير الإعلام المغربي نبيل بن عبدالله أن مشروع القانون المتعلق بالقطاع السمعي البصري جاء ليتوج «إرادة المغاربة في تكريس مجال الحريات ومجال البناء الديمقراطي في المغرب».
وأوضح بن عبدالله في تصريح للصحافة في أعقاب تصديق مجلس الوزراء على القانون «أن هذا النص القانوني الذي سيعرض على البرلمان ابتداء من الأسبوع المقبل يشكل تتويجا لمسار انطلق مع إحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وكذلك التصديق على القانون الذي رفع احتكار الدولة على البث الإذاعي والتلفزيوني، وهو ما يتمم الترسانة القانونية المؤطرة للفضاء الإذاعي والتلفزيوني الجديد في البلاد، مبرزا أن القانون الجديد يؤسس لاتجاهين أساسيين يتعلق الأول بتحرير وانفتاح المجال من خلال فتح الباب أمام فاعلين جدد في الحقلين التلفزيوني والإذاعي من القطاع الخاص سواء كانوا أجانب أو مغاربة».
وقال: إن هذا الأمر سيتم بناء على عدد من القواعد التي ضبطها القانون والتي تتعلق بضرورة طلب إذن أو رخصة من الهيئة العليا التي ستتفق مع الفاعل الجديد على دفتر للتحملات يجب عليه الالتزام به. وبخصوص التوجه الثاني أوضح بن عبدالله أنه يهدف إلى ضبط وإصلاح وضعية القطاع العمومي من خلال تحويل الإذاعة والتلفزيون المغربي إلى شركة وطنية وكذلك من خلال تكريس مكانة القناة الثانية «دوزيم» كمرفق عام يساهم في السياسة التواصلية العمومية وبذلك «نكون فعلا قمنا بطفرة نوعية في المجال السمعي البصري».
وبخصوص تهيؤ الظروف المادية والمعنوية للاستثمار في هذا المجال أكد بن عبدالله أن القانون عمل على توفير شروط إيجابية بالنسبة إلى المستثمرين الجدد، مشيرا إلى «أننا نفكر في اتجاه إنشاء منطقة حرة للإعلام والاتصال في بلادنا وأن هناك مجموعة من الإجراءات والمقتضيات التي تذهب في اتجاه تشجيع الاستثمار في هذا المجال، مشددا في هذا السياق على حرص القانون الجديد على تفادي إمكانات الاحتكار في هذا المجال، إذ لا يمكن لأيّ كان أن تتجاوز نسبة رأس ماله في الشركة 51 في المئة، كما أنه حين تتوافر مجموعة معينة على قناة تلفزيونية ومحطة إذاعة أو غيرهما، فإنه لا يمكنها أن تتوافر على غالبية تفوق 51 في مجموعة ثانية، وبذلك نكون أسهمنا في تجاوز خطر الاحتكار من قبل الخواص».
وبخصوص إمكانات الاستثمار في المجال الإذاعي والتلفزيوني، شدد بن عبدالله على أن هناك عددا من المتدخلين في هذا المجال الذين عبّروا منذ بداية مناقشة هذا الموضوع عن رغبتهم في ولوج الفضاء السمعي والبصري المغربي، إذ «توصلنا بعدد كبير من الطلبات التي أحيلت إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وربما سنتوصل بعدد أكبر من الطلبات بعد التصديق النهائي على مشروع القانون».
بدوره اعتبر رئيس المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري أحمد الغزالي أن القانون الجديد الذي صدّقه مجلس الوزراء المغربي برئاسة الملك محمد السادس يشكل خطوة مهمة نحو تحرير وتأهيل قطاع الإذاعة والتلفزيون وتحديث الوسائل التي ستستعملها المقاولات الإذاعية والتلفزيونية في المستقبل في إطار التحرير الذي سيعرفه هذا القطاع.
وذكّر الغزالي في تصريحات للصحافة بالعمل الذي قامت به الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري «بعدما طُلب منها بناء على القانون المؤسس لها أن تقدم إلى الحكومة استشارة بشأن هذا المشروع»، موضحا أن الهيئة «انكبت على دراسة المشروع بكل عناية ودقة، وأبدت عددا من الملاحظات التي تشكل قيمة مضافة ممكنة للمشروع الحكومي»، كما أشار إلى أن عمل «الهيئة العليا» يهدف أساسا إلى «إضفاء الدقة على القواعد والمساطر التي تكون ذلك المشروع وإضفاء تناسق أكبر ما بين روافد مشروع القانون بهدف توفير أكبر الضمانات والشروط اللازمة كي يدخل هذا القانون حيز التطبيق في أحسن الظروف»، مؤكدا أن القانون الجديد «جاء ليضع القواعد والمساطر للممارسة الحرة للمقاولة السمعية البصرية بالمغرب وليحدد الضوابط والمبادئ والميكانزمات لهذه الممارسة، إذ سيتم في القريب العاجل ولوج مقاولين خاصين إلى المجال السمعي البصري بكيفية واضحة بناء على مرجعية قانونية تساوي بين جميع الوافدين على هذا المجال». وأضاف الغزالي أن هذا المشروع تبنى «توجها استراتيجيا لبناء مرفق عمومي واحد» ينظم شركة وطنية متمثلة في شركة الإذاعة والتلفزة الوطنية والتي يمكن أن تتفرع عنها شركات متخصصة في الإشهار والإنتاج وتنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني على أساس أن تكون قطبا عموميا متكاملا يوفر لها القانون والدولة جميع الوسائل الضرورية لمواجهة المنافسة التي ستتحكم في المجال السمعي البصري.
مرحلة مهمة
ولاستقراء آراء خبراء في الميدان اتصلت «الوسط» بالكثير منهم، إذ أكدوا «أن تبني مجلس الوزراء مشروع القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري يعد مرحلة مهمة في عملية استكمال إصلاح المشهد الإعلامي وفي مقدمتها إنهاء احتكار الدولة للإعلام».
في هذا الإطار قال الخبير في الإعلام والاتصال والوزير السابق للإعلام محمد العربي المساري: «إن تصديق مجلس الوزراء على مشروع قانون الاتصال السمعي البصري يشكل حلقة ضرورية لاستكمال المنظومة الإعلامية»، مؤكدا أنه كان من الضروري اعتماد قانون ينظم هذه الممارسة الإعلامية. ولاحظ أن القانون يأتي بعد إحداث المجلس الأعلى للسمعي البصري ليضع القواعد الأساسية للتنافسية والشفافية، ويوضح الأسس التي يجب أن تقوم عليها طلبات الترخيص للاستثمار في هذا المجال وتحديد دفتر التحملات. وأضاف أنه «وإلى حين الاطلاع على مشروع النص الذي سيحال إلى البرلمان للتعرف بدقة على كل هذه الأمور لا يسعنا إلا أن نعبّر عن تفاؤلنا بأن المنظومة الإعلامية قد اكتملت بالتصديق على مشروع القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري»، مشددا في هذا الصدد على ضرورة «تمكين القطب العمومي للإذاعة والتلفزيون من المؤهلات التقنية والبشرية والمالية الكافية لجعله يخوض المنافسة باقتدار كبير، الأمر الذي يستدعي، خلال السنة المقبلة، بذل مجهود مالي استثنائي في الموازنة المرصودة لقطاع الإعلام».
ومن جهته قال نقيب الصحافيين المغاربة يونس مجاهد: «إن النقابة اعتبرت منذ البداية خطوة التحرير في حد ذاتها إيجابية جدا على رغم كل الملاحظات التي سجلناها بشأن عدد من المقتضيات أو من المبادرات»، مضيفا أنه بعد الاطلاع على نص المشروع الذي صدّق عليه مجلس الوزراء «سنرى إلى أي حد يستجيب لمطالبنا»، مشيرا إلى أن «النقابة كانت تنتظر تصديق مجلس الوزراء على هذا المشروع حتى نتمكن من فتح نقاش بشأنه بشكل منظم ومسئول مع الحكومة والبرلمان».
أما رئيس فيدرالية الناشرين المغاربة ومدير تحرير صحيفتي «الصباح» و«ليكونوميست» عبدالمنعم دلمي، فقال: «إننا باعتبارنا فيدرالية معنيون بكل ما من شأنه أن يُحدث تحولا في المشهد الإعلامي بالمغرب»، مؤكدا أنه من الواضح أن القانون يدفع بنا نحو أفق أكثر ليبرالية، مشيرا إلى أنه «يتعين الأخذ في الاعتبار أن الحقل الإعلامي المغربي كغيره من بلدان أخرى يضم فاعلين ووسائل إعلام متعددة».
وقال: «إن المنافسة مع المؤسسات الإعلامية التلفزيونية والإذاعية الخاصة لا تقلقنا بل على العكس، إذ من شأنها أن توسع حجم الجمهور وسوق الإشهار»، إلا أنه حذر من أن وجود قطب عمومي مهم يمكن أن يؤثر سلبا أو إيجابا على السوق بحسب الخط التجاري الذي سيتبناه. أما رئيس نادي الصحافة بالمغرب والنائب في البرلمان المغربي أحمد الزايدي فقد اعتبر من جانبه «أن التصديق على القانون الجديد يضع الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل بخصوص مستقبل المجال الإذاعي والتلفزيوني بالمغرب»، موضحا أنه بالتصديق اليوم على المشروع الجديد «أخذ الإعلام السمعي البصري طريقه نحو الفضاء المفتوح»، إلا أنه اعتبر أن ذلك «لا يعني أننا بلغنا الهدف وإنما وضعنا الوسيلة»، داعيا إلى «وضع الإجراءات العملية وتدقيقها لأن الأمر هنا لا يتعلق بإجراءات احترازية ولكن بالإجراءات العملية إذا أردنا أن نجعل من هذا القطاع منتجا ومساهما في مغرب الحداثة والديمقراطية».
من جانبه قال عضو المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري الصحافي نعيم كمال: إن التصديق على القانون الجديد يُعد «تتويجا لمسلسل طويل توخى تحريرا إيجابيا للقطاع والتكريس القانوني والفعلي لمرسوم القانون الذي أنهى احتكار الدولة لقطاع الاتصال السمعي البصري،
وهو ما يندرج في إطار المفهوم الجديد للسلطة الذي يروم تعزيز الديمقراطية والتعددية»
العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ