أكثر ما أخشاه هو ذلك النوع من الحلول والذي يعتمد على الصيغ الجاهزة القائمة على الأجوبة الغارقة في التبسيط وليس على الدراسات والتحليل. حتى اليوم، وبشكل لاهث كجاري عادة البحرينيين، تتوالى الاخبار عن "الشرطة المجتمعية" وكأنها الملاذ الأخير. ويفاجئنا النائب السعدي عبدالله بأن المشروع قديم وجاهز. ويفاجئنا اكثر بأن لا أحد يناقش ظاهرة السرقة ويحللها بشكل علمي. لا وزارة الداخلية ولا السادة النواب ولا أية جهة. لهؤلاء اسوق قصة. في صيف 2002 تعرضت سيارة شقيقي التي استعرتها منه للسرقة امام منزلي في الفجر. جاءت الشرطة وباشرت اجراءاتها. لكن لكم ان تصدقوا او لا تصدقوا: لم تبلغني الشرطة اي شيء منذ ذلك الحين حتى اللحظة التي تقرأون فيها هذه السطور. لماذا؟. تريدون قصة أخرى؟. اليكم هذه. قبل حوالي شهرين، كنت في مؤتمر صحافي في مكتب الامم المتحدة، فاذا بمكالمة ترن في هاتفي المحمول من مركز شرطة البديع يسألني فيها أحد رجال الشرطة عما اذا كنت املك سيارة "سوزوكي فيتارا". اجبت الرجل بانني كنت املك واحدة لكنني بعتها منذ صيف .2002 ابلغني ان لديهم سيارة من هذا النوع متورطة في حادث جنائي وهي لاتزال مسجلة باسمي في المرور وسألني ما اذا كان بامكاني الحضور للمركز لبحث القضية. اجبته لطلبه وخرجت من فوري لشركة التأمين التي كانت هذه السيارة مؤمنة لديها للتأكد من الملفات. في الطريق تذكرت أمرا: السيارة كانت مسجلة باسم زوجتي العزيزة فكيف يقول الرجل انها لاتزال مسجلة باسمي؟. وصلت الشركة وطلبت البيانات، وفي غمرة البحث اتصلت بالشرطي من جديد وسألته: ما هو رقم السيارة المسجل لديك؟ اعطاني رقما آخر لا يخص سيارتي. ابلغته اكتشافي بان السيارة لم تكن مسجلة باسمي، فكيف يبلغني انها مسجلة باسمي حتى اليوم؟. اخيرا وبفضل حاسوب الشركة تبين كل شيء. السيارة التي بحوزتهم مسجلة باسم شخص اخر اسمه الاخير "فضل" واسمي الاخير "فاضل" وهو للصدفة المحضة يقطن منطقة سكناي نفسها. اذا كان تشابه الاسماء مبررا للخلط، فكيف يمكن تبرير الخطأ في رقم السيارة؟. ألا تملك الشرطة حواسيب وقاعدة بيانات متصلة بقاعدة بيانات ادارة المرور؟. هل توجد حواسيب في مراكز الشرطة أساسا؟. كيف توصل الى استنتاج بأن السيارة تخصني فيما هي كانت مسجلة باسم زوجتي واستخرج رقم هاتفي بالاسم المحدد ولم يمكنه ان يعرف كل المعلومات من خلال ادارة المرور؟. ترى الى اي نوع من الخلل يمكن ان نرد هذا؟. لقد كان الرجل مهذبا وتم حل الاشكال عبر الهاتف، لكن هل يمكن ان يكون هذا كافيا لكي لا نطرح مثل هذه الأسئلة؟. ألا تثير هذه الاسئلة خيال السادة النواب وخيال اي منا بحثا عن الخلل؟. مشكلتنا اننا لا نطرح اسئلة، ونوابنا الاعزاء جزء منا، فنحن لا تستوقفنا الاسئلة وجدلنا عقيم. لا يطرحون مثل هذه الاسئلة ولا تستوقفهم بل يقدمون مشروعات جاهزة لأنها نابعة دوما من تصور مسبق وجاهز مبني في الغالب على مثال ايديولوجي: "الأمر بالمعروف" مستوحى من أسوأ التجارب، "الشرطة المجتمعية" مدعمة بمقولتين عن ايام الخلافة الاسلامية وكفى الله المؤمنين شر "الاسئلة". علينا بالبحث عن الخلل في مكان آخر، واذا كان السادة النواب يملكون شيئا من الحصافة، فليتذكروا كيف تصدرت اخبار السرقات المسلحة الصفحات الاولى من الصحف قبل شهور، في حين ان وزارة الداخلية لم تعلن اي شيء حتى اليوم عن نتائج جهودها للقبض على الفاعلين. عليهم ان يسألوا وزارة الداخلية وان يظهروا شيئا من التشدد الذي يظهرونه كلما تعلق الامر بحريات الناس وان يدرسوا ظاهرة السرقات بعناية مستعينين بباحثين اجتماعيين واقتصاديين لكي يضعوا ثمار دراسة وتحليل علمي بين ايديهم، لا ان يسارعوا "لاهثين" كجاري عادتنا الى تقديم حلول جاهزة لا تستند الى أية دراسة او تحليل. حلول تجعلنا نضع ايدينا على قلوبنا من "هاجس الرقابة" هذا الذي يستحوذ على الجميع وهم يفصلون القوانين: حكومة ونوابا
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ