لا يعرف بالضبط ما هو هدف حركة الاحتجاج التي تقوم بها مجموعات مسلحة تابعة إلى كتائب «شهداء الأقصى» المحسوبة على حركة فتح؟ فالأهداف غامضة حتى الآن ولا يعرف ما إذا كانت تحتج على قرارات الإقالة والتعيين الأخيرة أم انها اعمق من ذلك وتطاول سياسة عامة تتبعها أدوات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
حتى الآن لا تعرف الأهداف ولكن ما أثير من اسئلة ترافقت مع فوضى أمنية ومواجهات محدودة، يؤكد وجود أزمة عدم ثقة بين القوة العسكرية للمقاومة والقيادة السياسية. فالمقاومة التي تواجه «اسرائيل» تجد في نضالها مجرد هباء يتلاشى بسبب سوء تقدير القيادة السياسية وعجزها عن توظيف الكفاح المسلح لخدمة القضية. ويبدو من سياق تداعي الأزمة ان هناك اتجاهات مقاومة ترى ان مراكز القوى تستثمر التضحيات لأغراض اقتصادية.
حتى الآن لا تعرف بالضبط اهداف حركة الاحتجاج الفلسطينية. فالاحتجاج يجمع بين دقة التنظيم والفوضى الأمنية، وهذا يشير إلى وجود خلل في قيادته المجهولة. فهناك ما يشبه الاختلاط بين المطالب المرحلية والمطالب البعيدة المدى. فهل الهدف مثلا اضعاف قيادة الرئيس الفلسطيني أم الاطاحة برموز فاسدة محسوبة عليه؟ فالشارع في غزة يعلم أن هناك شخصيات تستفيد من مظلة عرفات السياسية لتحقيق أغراضها من خلال عقد تجارة مشبوهة مع حكومة ارييل شارون.
والشارع كما يبدو صبر كثيرا وأعطى الكثير من الفرص لتحسين الوضع والتخلص من هذه الشخصيات المنتفعة من كفاح الناس وتضحياتهم التي فاقت التصور. الا أن المشكلة، وهذا هو المأزق، كيف يمكن التخلص من تلك الرموز الفاسدة في ظل الاحتلال وفي فترة تحاصر فيها حكومة شارون السلطة الفلسطينية في رام الله؟
وسيلة التخلص من رموز الفساد كانت معضلة منذ انطلاق الثورة وانتشارها في أمكنة التجمعات والمخيمات الفلسطينية في الأردن ولبنان. ودائما كانت التضحيات الكبرى تذهب ضحية للتجاوزات واستغلال شريحة من الفاسدين والمفسدين والمرتشين والراشين والسطو على المساعدات التي كانت تأتي لدعم النضال او تغطية نفقات العائلات المشردة وأسر الشهداء.
هذه المعضلة شكلت مشكلة للثورة الفلسطينية نجحت القيادة في التعايش معها ولم تستطع طوال 30 سنة معالجتها او تجاوزها. وحين انتقلت القيادة إلى الضفة والقطاع انتقلت معها المعضلة وأخذت تمتد وتنتشر لتتصل رموز الفساد بشخصيات اسرائيلية، فظهرت شبكة من المصالح والمنافع المتبادلة بين شريحة من الفاسدين وبعض رموز الحكومات الاسرائيلية التي أدارت لعبة الصراع مع الفلسطينيين منذ توقيع اتفاقات أوسلو.
هذا الوضع المتأزم والموروث يبدو أنه انفجر الآن في ظل حصار شارون لسلطة عرفات. فالحصار أضعف السلطة وعطل دورها وقطع سبل اتصالها مع فئات فلسطينية متضررة من تسلط تلك الشريحة من الفاسدين والمفسدين.
والسؤال: كيف السبيل للخروج من معضلة مزمنة من دون ان تدب الفوضى وتستفيد منها حكومة شارون للتهرب من مسئوليات واستحقاقات دولية كان آخرها قرار محكمة لاهاي الدولية بعدم شرعية بناء ما يسمى الجدار الأمني في الأراضي الفلسطينية؟ السؤال بحد ذاته مشكلة، فهو يبحث عن جواب منذ أكثر من 30 سنة وحتى الآن لم تتوصل القيادة الفلسطينية الى ابتكار حل لتلك المعضلة. فالسلطة او بعض رموزها متورط في الفساد كما هو معروف ومتداول. وكذلك هناك مقاومة شريفة يقودها بعض رموز السلطة. والمشكلة كانت دائما كيف يمكن فك الارتباط بين رموز المقاومة ورموز الفساد في السلطة من دون اضطرابات داخلية وفوضى أمنية. وبسبب عدم توصل القيادة التاريخية الى ابتكار ذاك «الحل السحري» استمر «الحبل السري» بين رموز الفساد وبعض أطراف السلطة وصولا إلى انتهاج سلوك التعايش تحت سقف «لا ضرر ولا ضرار».
الآن كما تبدو الأمور وصلت إلى حد الانفلات. فهناك جهات فلسطينية مجهولة أخذت تظهر مؤكدة رفضها أسلوب التعايش ذاك بعد ان بلغت المقاومة مرحلة اليأس. فاليأس هو الذي يحرك تلك المجموعات المسلحة المنتمية الى حركة فتح. وكما هو ظاهر من الاحتجاج ان تلك المجموعات ترفض منطق ان الأولوية لمقاومة الاحتلال وان مهمة تنظيف البيت الفلسطيني مؤجلة. فهذا الكلام رددته القيادة طوال 30 سنة وحصد حتى الآن الكثير من النكسات، ومقابله حصد رموز الفساد المزيد من الثروة.
كيف ستنتهي الامور بين معركة التحرير والمعركة المستجدة ضد جبهة الفساد؟ هذا غير واضح، وذلك لسببين: الأول ان البيت الفلسطيني محاصر ومطارد. والثاني ان المستفيدين من الفساد كثر وهم على استعداد للتعاون مع شارون ضد القضية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ