أوضحنا في مقالنا السابق أن المحكمة الدستورية قررت في أولى الدعاوى الدستورية عدة مبادئ جوهرية اتسمت ب
المصلحة في الدعوى الدستورية
قال المبدأ الثالث الذي قررته المحكمة الدستورية إن المصلحة في الدعوى الدستورية تتحقق إذا كان ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية أن يؤثر فيما أبدى من طلبات في دعوى الموضوع. وكانت دائرة الشئون القانونية قد دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن وقالت في تبرير دفعها أن ابطال نص الفقرة السادسة من المادة السادسة من قانون المحاماة ليس لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة به المطروحة على محكمة الموضوع والمتعلقة بإلغاء قرار وزير العدل برفض قيده بجدول المحامين وعليه يكون الدفع بعدم الدستورية غير جدي لانتفاء شرط المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن إذ قد يجاب للطاعن إلى طلباته المنظورة أمام محكمة الموضوع وينتهي الأمر بغير لزوم لسلوك سبيل الطعن بعدم الدستورية. ورد الطاعن على هذا الدفع مبينا أنه يقوم على تفسير ضيق لنظرية المصلحة التي تسند الدعوى، بل وعلى خطأ في وضع المسألة - فيما يقول المناطقة - ذلك لأن المصلحة تظل شخصية ومباشرة سواء أكانت حالة أو مستقبلة متى تعلقت بالحقوق المطلوب حمايتها، ونص قانون المرافعات على أن المصلحة المحتملة تكفي إذا كان مبنى الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه، ومن أجل ذلك فإنه يكفي أن تكون للطاعن مصلحة في توقي انتهائية الحكم الذي يصدر في تظلمه إذا صدر لغير صالحه مشوبا بخطأ بشري في الإجراءات أو التقدير لكي تتوافر له المصلحة في إزالة العائق الذي يحظر عليه الطعن ونظر دعواه أمام كل درجات القضاء المتاحة وبذلك يتوقى معاملته بهذا الحكم باعتباره سويا منتجا لآثاره حائزا لقوة الأمر المقضي. وأيدت المحكمة الدستورية وجهة نظر الطاعن فقررت رفض الدفع المقدم من دائرة الشئون القانونية بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة الشخصية المباشرة للطاعن مقررة في ذلك ما يأتي: "وحيث إنه عن الدفع المبدى من دائرة الشئون القانونية بعدم قبول الدعوى الدستورية لانتفاء شرط المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي، فإن المادة "33" من قانون إنشاد المحكمة الدستورية المشار إليه تنص على أنه "فيما عدا ما نص عليه هذا القانون من أحكام، تسري على قرارات الإحالة إلى المحكمة والدعاوى التي تقدم إليها والأحكام والقرارات الصادرة عنها القواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض مع طبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها" وتنص المادة "5" من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقم "21" لسنة 1791 على أن "لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه"، ومفاد ذلك أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، إذ لا دعوى بلا مصلحة، ومناط هذه المصلحة أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية أن يؤثر فيما أبدى من طلبات في دعوى الموضوع، لما كان ذلك وكان المدعي يستهدف من الطعن بعدم دستورية النص المطعون فيه إسقاطه بوصفه يمثل - من وجهة نظره - عائقا يحول دون نظر دعواه على أكثر من درجة من درجات التقاضي، كي تتحقق له الترضية القضائية التي يرد بها عن الحقوق التي يدعيها مضارا فعلية تهددها من جراء إعمال النص التشريعي المطعون عليه في حقه وترتيبه لآثار قانونية بالنسبة إليه، وبالتالي يكون المدعي قد استهدف بإقامته دعواه الدستورية إجتناء فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها، الأمر الذي تتوافر معه للمدعي المصلحة الشخصية المباشرة في دعواه الدستورية الماثلة، ويكون الدفع بعدم قبولها واردا على غير أساس". ويذكر ان دائرة الشئون القانونية استشهدت في تبرير دفعها بانتفاء شرط المصلحة في الدعوى إلى حكم صادر من المحكمة الدستورية العليا في مصر، وأوضح الطاعن في رده على ذلك بأن هذا الحكم لا يفيد شيئا كوجه للاستشهاد به على عدم قبول الطعن بعدم الدستورية على النصوص التي تحظر الطعن في الأحكام أو التي تقصر نظر الدعاوى على درجة واحدة، إذ تبين بعد الإطلاع على هذا الحكم أن المدعي طعن بعدم دستورية المادة "05" من قانون حماية القيم من العيب وذلك كله في الوقت الذي كانت دعواه مازالت منظورة أمام محكمة القيم بدرجتها الأولى وكان أمام المدعي الطعن في الحكم الذي يصدر أمام محكمة القيم العليا وهي توازي محكمة النقض المصرية ثم الطعن بطريق غير عادي هو التماس إعادة النظر ولذلك جاء حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر صحيحا لأنه ينصرف في الأساس إلى أن لدعوى القيم طرق طعن كثيرة.
مؤشرات ودلالات
يتبين من العرض السابق أن المحكمة الدستورية رفضت ثلاثة دفوع قدمتها دائرة الشئون القانونية دارت حول عدم اختصاص المحكمة الدستورية ولائيا بنظر الدعوى، وعدم قبولها لاتصال المحكمة بها بغير الطريق القانوني وعدم توافر المصلحة الشخصية للطاعن. ورفضت المحكمة الدستورية هذه الطعون الثلاثة مقررة مبادئ جوهرية عدة في مجال الرقابة على الشرعية الدستورية. ويذكر أن المادة "891" من قانون المرافعات المدنية والتجارية تفرق بين الدفوع الجدية والكيدية التي يعلم من يقدمها أنها غير حقيقية، وفي هذا الحال يجيز القانون للمحكمة الحكم بالتعويض على مقدم الدفوع الكيدية بسبب سوء نيته وانحرافه بحق التقاضي عما وضع له وإساءة استعمال حق الدفاع.
من يمثل الحكومة؟
وكان الطاعن قد استشعر الحرج في مخاصمة صاحب السمو رئيس الوزراء في الدعوى باعتبار أن الحكومة تعتبر من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية ولذلك اختصم وزير شئون مجلس الوزراء باعتباره المتحدث باسم مجلس الوزراء ودفعت دائرة الشئون القانونية بانعدام صفته في الدعوى لأن الذي يمثل الحكومة هو سمو رئيس الوزراء وقبلت المحكمة الدستورية هذا الدفع مستندة في ذلك إلى ما يأتي: "وحيث إنه الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوزير شئون مجلس الوزراء لانعدام صفته في الدعوى الماثلة فهو صحيح، إذ إنه طبقا للفقرة الأخيرة من المادة "12" من قانون إنشاء المحكمة الدستورية المشار إليه والتي تنص على أنه "... وتعتبر الحكومة من ذوي الشأن في الدعاوى الدستورية"، فالحكومة لا يمثلها وزير شئون مجلس الوزراء بل الذي يمثلها هو رئيس مجلس الوزراء طبقا لنص الفقرتين "أ، ج" من المادة "74" من الدستور، إذ تنص الأولى على أن "يرعى مجلس الوزراء مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الجهاز الحكومي". وتنص الثانية على أن "يشرف رئيس مجلس الوزراء على أداء مهام المجلس وسير أعماله، ويقوم بتنفيذ قراراته وتحقيق التنسيق بين الوزارات المختلفة والتكامل بين أعمالها"، ما مفاده أن الذي يمثل الحكومة هو رئيس مجلس الوزراء وبالتالي فإن وزير شئون مجلس الوزراء لا يمثل الحكومة ولم يكن كذلك خصما في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فإنه يتعين عدم قبول الدعوى بالنسبة له"
إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"العدد 683 - الإثنين 19 يوليو 2004م الموافق 01 جمادى الآخرة 1425هـ