ماذا يجري في الساحة الفلسطينية؟ إنه سؤال مؤجل لمعركة مؤجلة. فهل بدأ الاستحقاق أم أن ما حصل «غيمة صيف» ستمر بسرعة ويعود كل شيء إلى ما كان عليه؟
المسألة معقدة ولا يمكن قراءة تداعياتها من زاوية واحدة. كذلك من الصعب الدخول إليها من مختلف الزوايا وإلا سقط سقف السلطة على الانتفاضة في وقت عجز شارون عن قطافها.
الأزمة اذا ليست جديدة. الجديد هو انكشافها في ظل انقسام داخلي يبدو أنه يدفع العلاقات المهترئة أصلا إلى مزيد من التأزم. وما حصل الاسبوع الماضي ليس بسيطا بمختلف المقاييس. فهناك مجموعة مسلحة تطلق على نفسها «كتيبة شهداء جنين» خطفت قائد الشرطة غازي الجبالي. وهناك ردود فعل متباينة بدأت بإقالة الجبالي من منصبه وتعيين موسى عرفات قدوة (ابن عم عرفات) في موقع يتيح له الإشراف على الأجهزة الأمنية التي وُحدّت بقرار رئاسي في ثلاث هيئات.
هذا جانب من المسألة. الجوانب الأخرى لا تقل خطورة. فبعد الإقالة أُعلنت استقالات رفضت كلها. فرئيس الحكومة قدم استقالته، ورئيس جهاز المخابرات أمين الهندي قدم استقالته ايضا، كذلك استقال رئيس جهاز الأمن رشيد أبوشباك. الاستقالات رُفضت من قبل الرئيس الفلسطيني. كذلك رفضت «كتائب شهداء الاقصى» التابعة لحركة فتح تعيين قريب عرفات في موقع المسئول عن الأمن الفلسطيني، معتبرة أنه يؤشر إلى سياسة خطيرة قد تؤدي إلى تفجير «فتنة داخلية».
الموضوع لم ينته عند هذا الحد بل هناك ملاحق تزيد من غموضه. فالمجموعات المسلحة المنتمية إلى حركة فتح تمردت مجددا، وجددت رفضها للقرارات، وتظاهرت تطالب بالاصلاح والتطهير وضرب رؤوس الفساد ومحاكمة المرتشين... وأخيرا هاجمت سجن خان يونس وأحرقته وأطلقت سراح الموقوفين.
المسألة متعددة الجوانب والازمة أخذت تنتقل من كونها معركة ضد الاحتلال إلى معركة داخلية ضد الفساد. والموضوع الاساسي الذي انطلقت منه المجموعات المسلحة لا يتعلق بالسياسة وإدارة الصراع مع المحتل بل فتح كوّة في جدار الصمت، واعلن معركة ضد رموز الفساد. وهذا يعني بدء مواجهة كانت مؤجلة منذ سنوات، وملفاتها كثيرة تطاول عشرات الرؤوس الكبيرة والصغيرة. فهل بدأت المعركة المؤجلة أم أن توقيتها، مثل كل مرة، غير مناسب في وقت يعلن شارون عن تفاوضه مع خصمه بيريز لتوسيع قاعدة حكومته قبل اقتراب موعد الانسحاب المعلن من غزة؟
كيف يمكن قراءة جوانب المعركة الجديدة لمعرفة ماذا يجري في الساحة الفلسطينية؟ فهل المعركة هي حركة تصحيحية؟ واذا كانت كذلك فمَنْ يصحح مَنْ؟ ومن هو الجانب النظيف في المعادلة حتى يأخذ الشرعية للبدء في عملية التطهير؟
المسألة غير مفهومة لأن الجهات المسلحة التي قادت التحرك مجهولة أو على الاقل غير معلومة، ولا تتمتع بهوية واضحة أو برنامج محدد. فكل ما يعرف عنها أنها مجموعات ناقمة على الوضع تنتمي إلى حركة فتح التي يرأسها تقليديا ياسر عرفات. فهل المجموعات غاضبة من رئاسة عرفات أو خائفة عليه أو خائفة منه؟ حتى الآن لا توجد مؤشرات توضح معالم الصورة سوى أن تلك المجموعات عفوية، وضاقت بها السبل ولم تعد قادرة على التحمل أو تصديق الوعود بضرورة تأجيل المعركة.
ماذا يجري في الساحة الفلسطينية؟ سؤال مطروح منذ فترة وأجلت الاجابات بسبب الظروف الخاصة وكذلك الطبيعة الخاصة للسلطة. فدائما كان يطرح السؤال ويفتح ملف الفساد ثم يغلق بذريعة الظروف الخاصة والطبيعة الخاصة للسلطة.
المسألة معقدة ولا يمكن قراءة تداعياتها من زاوية واحدة، ويصعب الدخول اليها دفعة واحدة من كل الزوايا وإلا انهار السقف على الجميع.
موضوع الاصلاح الفلسطيني معضلة حقيقية لأنه يعرض مشروع التحرر والتحرير للمساءلة، ويطرح صدقيته على بساط البحث والتحقيق. فهناك الصراع على النفوذ، وتقاسم الغنائم، والفراغ السياسي الناجم عن حصار «إسرائيل» للسلطة، وهناك موضوع الوراثة (توزيع المواقع على الاقرباء) وإلى جانبه مسألة الزعامة ومن هو القائد في فترة تشهد فيها الساحة تحولات كبيرة تتراوح بين سؤالين: ماذا بعد عرفات؟ وماذا بعد الانسحاب؟
معركة الإصلاح مؤجلة منذ 30 سنة، فهل بدأت أم أنها مجرد عاصفة في «فنجان» السلطة؟ من يدري؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 682 - الأحد 18 يوليو 2004م الموافق 30 جمادى الأولى 1425هـ