قد يكون قرار البحرين الأخير القاضي بمساعدة الأشخاص الذين تأخروا عن دفع فواتير الكهرباء لعدة أشهر بسبب عدم مقدرتهم على ذلك قرارا حكيما، وبشرى تصب في مصلحة الوطن والمواطنين وخصوصا الذين يعانون من ضائقة مالية تحرمهم من العيش كما يعيش الناس في لهيب الصيف القاتل الذي نشهده هذه الأيام، وبصفة خاصة المتزوجون الذين لديهم أولاد زادت مصروفاتهم ولكن راتبهم الشهري (وبعضهم يتسلم 150 دينارا) لا يكفي حتى لتغطية لوازم الحياة الضرورية وخصوصا الذين يعملون في القطاع الخاص.
كما استفاد من هذه المكرمة أيضا المتقاعسون الذين تركوا الفاتورة تتراكم شهرا بعد شهر حتى أصبح المبلغ خياليا، وفي هذا إجحاف بحق الذين يواظبون على دفع الفاتورة شهريا من دون تأخير. وعليه فإن القرار يجب أن يوظف لمصلحة الفقراء فقط وليس لكل من هب ودب، لأنه إذا سارت الأمور على ذلك فنبشر جميع المستهلكين بأن يتأخروا في دفع الفواتير لأن الدولة أو الديوان سيتحمل المصروفات وما أكثرها! وعليهم فقط أن يزيدوا من استهلاك الكهرباء في منازلهم يوما بعد يوم، هذا إذا لم ينقطع عنهم التيار الكهربائي وهم نائمون.
مساعدة الفقراء والمساكين هي صفة أهل النبل والكرم، والبحرين معروفة منذ الأزل بذلك عملا بقول الله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى» (المائدة -2)»، ولكن ما ذنب الذين يدفعون فواتير الكهرباء بانتظام؟ بعضهم قادر والبعض الآخر غير قادر على ذلك ولكنه على رغم ذلك يجمع من هنا وهناك لكي يسدد ما عليه. ولذلك فإن القرار قد يحتاج إلى وقفة تأمل وخصوصا أننا في عز الصيف، والبحرين تحاول جاهدة أن يمر من دون أن تكون هناك آثار بالغة على النشاط الاقتصادي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الطاقة الكهربائية.
وهذا الأمر يقودنا إلى شأن آخر يصب في الإبريق نفسه وهو «العدل في توزيع الثروة» والتي تحدث عنها الرئيس العراقي السابق صدام حسين خلال عنفوانه وقبل غزوه الكويت ويتحدث عنها اقتصاديون عن «سوء» التوزيع في معظم البلاد العربية، فالفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى على رغم - والحمد الله - أنه لا يوجد في دول الخليج العربية (ومنها بلادنا) فقر مدقع (starvation) كما هو حاصل في بعض البلدان الآسيوية والإفريقية، إذ يموت البشر من شدة الجوع بفضل ثروة النفط الآخذة في الزيادة وخصوصا هذه الأيام بسبب ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، ولذلك نتوقع المزيد من «المكرمات»، ولو أن معظمها تذهب إلى جيوب البعض دون الآخر والذي قد يكون أولى بها كما يحدث للبيوت التي تبنيها وزارة الإسكان.
الكهرباء نور ونعمة من الله وكذلك الأموال ولكنها قد تكون نقمة إذا لم نستخدمها الاستخدام الأمثل، والأجدر بالمملكة بدلا من دفع متأخرات الكهرباء عن البعض وترك البعض الآخر «يتلوى» أن يتم خفض التعرفة لتتناسب ودخل المواطنين، وقد يكون في ذلك إنصافا للجميع... والله من وراء القصد
العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ