العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ

هل يخدع «رضا خان» «صدر» العراق؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«أيها الضال المنكر للدين، أبوك هو الذي اصدر «المشروطة» - قانون الاصلاحات الدستورية - ولكنك عندما تربعت على عرش السلطنة وضعت كل الوعود تحت قدميك... ولقد سمعت بأنك ارسلت من قبلك الى النجف من يشتري لك الذمم والضمائر غافلا عن أن سعادة الشعب افضل من اموالك، انك تتظاهر باحترام الدين، ولكنك تعاديه وتخون بلادك... سأعود إلى ايران وسأعلن الجهاد».

هده المقاطع من رسالة قائد حركة المشروطة الايرانية العلامة الكبير الآخوند الخراساني إلى آخر ملوك القاجار محمد علي شاه في بدايات القرن الماضي تحضرني بقوة هذه الأيام وانا اتابع اوضاع العراق الشهيد والجريح والمظلوم من قبل الصديق قبل العدو أحيانا وعندما قرأتها قبل ايام اثناء مراجعاتي الدورية لوقائع الثورة المشروطية الايرانية ظهر أمامي وبقوة مشهد زعيم الحوزة الشيعية العراقية الناطقة السيدمقتدى الصدر كما يحب هو وتياره ان يوصفوا به، وزعيم التيار الصدري اليتيم المقاوم لمثلث الاستبداد السلطوي والوصاية التقليدية والهيمنة الأجنبية كما أجيز لنفسي ان اسميه.

لست بالضرورة مع كل ما يؤمن به الصدر الثالث - اي مقتدى الصدر - ولست بالضرورة مع كل ممارسات الصدريين والتيار الصدري في العراق لكنني اشعر بقوة الخطر الذي يطوق الفكر الصدري المناضل في العراق من كل جانب، اي فكر الرؤية الجهادية الثاقبة والحكيمة والعاقلة ولكن المكافحة والمناهضة للهيمنة الأجنبية والاستبداد الداخلي وكل أشكال الارتهان والتبعية إلى الأجنبي، والتي كانت مستمرة متواصلة لدى الفكر الصدري من الصدر الأول بقيادة الفيلسوف والمفكر العظيم محمد باقر الصدر إلى الصدر الثاني اي محمد صادق الصدر والد الصدر الشاب الذي ضاقت صدور زملائه في الحوزة التقليدية النجفية منه قبل نفاد صبر المحتلين وصنائعهم تجاه موقفه المثابر.

أعرف تماما ان العراق ليس ايران، وان بدايات القرن الحادي والعشرين ليست هي بدايات القرن العشرين. واعرف ايضا وايضا ان مقتدى الصدر ليس الاخوند الخراساني، وان الاميركيين ليسوا هم الانجليز، وان وان... لكن خبث الانجليز هو خبث الاحتلال الطامع باللعب دوما على حبال الاختلاف بين الرجال، ولا سيما ان مقتدى الصدر اليوم في حال حصار مضاعفة. وبما ان الامثال تضرب ولا تقاس ايضا وايضا فانه تحضرني كذلك واقعة الخديعة التي لعبها رجل الانجليز المحنك رضا خان - الذي اصبح شاه ايران فيما بعد - عندما قام بزيارة سرية للنجف الاشرف والتقى النائيني والأصفهاني وهما من كبار العلماء والقيادات المؤيدة لحركة المشروطة الاصلاحية التقدمية وانتزع منهما فتواهما المشتركة الشهيرة التي حرم فيها معارضة حكم رضا خان. وفي بالهما طبعا ان ذلك من شأنه المساعدة في استتباب الأمن والامان واستقرار الاوضاع الداخلية في بلادهما لصالح نهضة الشعب ونجاح الحركة الدستورية الاصلاحية في التخلص من الاستبداد الداخلي والهيمنة الأجنبية.

لكنه وللأسف الشديد وكما هو معلوم فقد كانت تلك الفتوى بمثابة القنبلة التي فجرها رضا خان لنسف حكم القاجار الظالم من جهة والذي امتد من 1776 إلى 1925 لكنها كانت بمثابة الدخان الذي غطى مؤامرة التأسيس لسلالة جديدة ظالمة اخرى تمثلت في الحكم البهلوي الشاهنشاهي الذي استمر في ظلمه من 1925 إلى 1979.

يومها احتفل الانجليز في طهران وشربوا نخبهم في بسط نفوذهم من دون منازع ولكن من وراء الكواليس ومن خلف الستار ومن خلال وجوه وطنية في الظاهر!

هذا المشهد يكاد يتكرر نفسه اليوم في العراق كما يتخوف الكثيرون اليوم وان اختلفت الأسماء والوجوه والحيثيات والظروف. لكن الجوهر قد يكون واحدا.

فطاغية بغداد المستبد تم ترحيله في الواقع وقوات الاحتلال التي أطاحت به تم إعادة نشرها بطريقة اريد الايحاء بأنها لم تعد تقرر سياسات العاصمة الخضراء! والحكومة الانتقالية تم نشرها في الوزارات العراقية تحت عنوان الحكم الوطني الموعود! والخوف كل الخوف من ان تتم إعادة انتاج أو احياء حجاج جديد بحجة ضرورة استتباب الأمن والاستقرار! فيطلب من الصدر أو غير الصدر ان يفتوا بتحريم كل اشكال المعارضة للحكم العتيد! ولكن هذه المرة تحت عناوين محاربة الارهاب والارهابيين وفلول البعثيين والخارجين على القانون!

في حين ان من يريد مقاومة الارهاب والارهابيين حقا، عليه أولا وقبل كل شيء التخلي والى الابد عن اساليب الاقصاء والاستحالة والتصفية لكل ما هو أو من هو آخر! وثانيا عليه التوقف عن أسلوب المعالجة الأمنية المحضة والمطلقة لكل الملفات بحجة ان الاولوية للأمن والأمن فقط. فالمعالجة الامنية والمنع والاقصاء وعدم الافساح لمنابر الآخرين يعني إعادة انتاج للعنف وللارهاب، كما ان تبسيط الامور وتسطيحها واعتبار قوات الغزو والاحتلال والتعذيب وذبح الوطن وتدمير الدولة ونهب مقدرات الشعب بمثابة مساعدة وتعاون على التنمية واعادة الاعمار والبناء!! ما هو الا استعمار للذات قبل الآخر.

فمنذ صيحة الصدر الأول إلى نهاية حكم الطاغية في بغداد والى وقتنا الراهن والعراق يئن من استباحة الوطن والأهل، وأبناؤه البررة في طليعتهم الصدر الثالث ومجاهدو الفلوجة الحقيقيون وكل من ناصرهم في الكفاح ضد المحتل والغازي وليس في قتل العراقيين أو اقتتالهم من المندسين انما يقاتلون من اجل انهاء الظلمات الثلاث الهيمنة والاستبداد و.......

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً