وسائل الإعلام في البلاد المتقدمة تسمى «السلطة الرابعة»، وهو تعبير لأحد الفلاسفة السياسيين البرلمانيين القدامى، الذي لاحظ ظاهرة جديدة تتمثل في الصحافة التي بدأت - آنذاك - في منافسة سلطة الملك وسلطة الكنيسة وسلطة البرلمان. حينها أطلق مسمى السلطة الرابعة من دون أن تكون في ذهنه مسميات السلطات الثلاث الحالية (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ولكن بقي الاسم مستمرا، لأن الصحافة فعلا هي «سلطة رابعة»، ولكن من نوع آخر يختلف تماما عن السلطات الأخرى التي تعتمد عليها أية دولة.
الديمقراطية تتطلب فصل السلطات الثلاث عن بعضها بعضا، كما تتطلب استقلالية الصحافة. واستقلالية الصحافة لا تعني الانفلات وعدم المسئولية، بل تعني أن هناك ميثاقا - سواء كان مكتوبا أو شفويا - تلتزم به هذه الصحافة أثناء ممارستها المهنة.
وعندما بدأنا مشروع «الوسط»، بمباركة القيادة السياسية، وعلى رأسها جلالة الملك، وضعنا نصب أعيننا أن نكون مخلصين لعدد من المبادئ السامية واعتبرناها ميثاقا لكل العاملين في الصحيفة. ومن هذه المبادئ ما يأتي:
1- قول الصدق، فالمواطن يتوقع من الصحيفة المستقلة أن تمتلك أدلة وشواهد عملية على صدق ما يتم نشره. وهذا يتطلب شفافية في صناعة الخبر وطريقة التعامل مع مختلف الأخبار. ولذلك فإن أي خبر يجب أن يكون من مصدر واضح، وإذا تطلب الأمر إخفاء المصدر فإن المحتوى يجب أن يكون صادقا، فالكذب لا يجوز شرعا ولا يخدم مصلحة أحد.
2- الولاء للمواطن والوطن، فالناشر حين ينشر شيئا يجب أن يضع نصب عينه المواطن أولا والوطن ثانيا، إذ لا فائدة من وطن من دون مواطن. فولاؤنا لأهل البحرين من دون تفريق هو الأساس، وفي حال تعارضت المصالح، يتم تغليب ما ينفع المواطن والوطن. وفي كثير من الأحيان نعلم أن نشرنا خبرا عن جهة معينة - مثل نقص الخدمات من هذه الجهة أو تلك - قد يضر الصحيفة من ناحية الحصول على الإعلانات التجارية، إلا أننا إذا وجدنا أن مصلحة المواطن في خطر، فمصلحته لها الأولوية، والله يتكفل بالرزق. كما أننا يجب أن ندافع عن سمعة البحرين، وولاؤنا لوطننا شرف لنا، لا يجوز أن نتهاون فيه أو نتوقع مقابلا من أجله. فإذا كان قرارنا أن ندافع عن «الفورمولا 1» أو عن أي مشروع آخر، فإن ذلك نابع من ولائنا للوطن أولا وأخيرا.
3- الاستقلالية، بمعنى أن التعليقات والتغطيات لا تكون «مختلقة» و«مفبركة» أساسا ضد هذه المجموعة أو هذه الجهة أو تلك، وألا تكون التغطيات انصياعا لأوامر تخالف الضمير الإنساني الحي.
4- مراقبة كل من لديه سلطة، فالصحافة المستقلة همها الأساسي مراقبة كل سلطة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية. فلابد من القيام بدور الرصد ونشر ما يمكن نشره، من دون تعريض الصحيفة لمشكلات قانونية، أو مخاطر لا تحتملها.
5- الصحيفة منبر للحوار الوطني، فنحن وسيلة متوافرة لإيصال أفكار الاتجاهات والناس إلى بعضهم بعضا، ولكن يجب ان يكون ذلك باتجاه المزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة. وهذا يتطلب فتح ملفات عالقة وإفساح المجال لإنعاش الحوار بصورة معمقة وموسعة بما يخدم جميع أهل البحرين.
6- الالتزام بالمرجعية الدستورية للبلاد بقيادة جلالة الملك، الذي دشن مرحلة إصلاحية نقلت البحرين من موقع متأخر سياسيا إلى مستوى يحسدنا البعض عليه. وفي هذا المجال، فإننا نسعى دائما إلى توسيع دائرة الإصلاح السياسي والاقتصادي من خلال العمل داخل النظام.
إن أملنا أن يمسك المواطن صحيفة «الوسط» أو أية صحيفة أخرى وهو مطمئن إلى أنها تواليه وترعى مصالحه وتمارس دور الريادة، و«الرائد لا يكذب أهله»، لأن في ذلك حياة كريمة لنا جميعا، حاكمين ومحكومين.
لذلك دعونا نبتعد عن أساليب إذاعة «صوت العرب»، التي خدعت الشعوب العربية في 1967 وقالت لهم إن جيوشنا استرجعت القدس، بينما كانت عواصمنا العربية الاخرى تقترب من السقوط... فالكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، أما الكلمة الخبيثة فهي شجرة اجتثت من الأرض وليس لها جذور
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ