أترككم هنا مع بعض المقولات ذات الصرخة العالية في وجه الأمة العربية لكي تتمعنوا فيها حكاما ومحكومين:
قال «جان كورد» في مقال له بعنوان «وماذا عن التعذيب في السجون العربية»، من ضمن ما قاله الكثير، هنا نقطة من بحر: «ولكن ألم يكن سجن (أبوغريب) الشهير بالوحشية التي ترتكب فيه ضد المعتقلين موجودا في مكانه على أرض العراق منذ سنين طويلة قبل إسقاط نظام البعث؟ ولاتزال مئات السجون والمعتقلات العربية الشبيهة به في طول العالم العربي وعرضه مليئة بالذين أهدرت كرامتهم وعذبوا تعذيبا رهيبا مصحوبا بكل أنواع الانتهاك لكرامة الإنسان؟ فلماذا لم تتحدث الصحافة العربية ولا تتحدث عن ذلك بهذا الشكل الذي فضحت فيه أميركا؟ ولماذا لا يقف رئيس نظام عربي أمام شاشة التلفزيون كما وقف الرئيس الأميركي ليعلن عن اعتذاره لشعبه عما ألحقه به نظامه من إهانة وما مارسه زبانيته ضد المواطنين من ممارسات دنيئة وقذرة ومهينة؟ لماذا لا يبدي حكام العرب أسفهم عما يدور في معتقلاتهم السرّية ولا يقومون بتقليد الإدارة الأميركية التي ستجري المحاكمات لضباط الجيش والمدنيين المسئولين عن تلطيخ سمعتها في العالم؟ لماذا هذا الهجوم الكبير على دونالد رامسفيلد وغض النظر عن أشباهـه في كل العالم العربي من رؤساء فروع المخابرات ووزراء الداخلية ومسئولي القوات الخاصة الذين لم يتركـوا جريمـة ضد الإنسانية إلا وارتكبوها؟ ولماذا الشريحة العربية الحاكمة شبه صامتة، في حين يلوّح بعض وزراء الخارجية العرب بصور المعذبين العراقيين يريدون عرضها في اجتماعهم وكأنهم اكتشفوا حقائق جديدة عما يقوم به الأميركان في العراق وغيره؟
العالم ليس غبيا يا عرب!
طبعا سيتحول هذا كله إلى قوس استرالي (بومارانغ) يرتد إلى صدور الحكام العرب قبل غيرهم، فالعالم ليس غبيا ولن يقبل بعد الآن بأن تحاسب أميركا على جرائمها ضد الإنسانية ويتم السكوت عن جرائمهم ضد الإنسانية. وهذا هو الذي يؤرق بال الأنظمة العربية، وخصوصا عندما يلتقي مسئولون عرب مسئولين أميركان، فإن هذا الموضوع لن يدخل جدول الحوار أو برنامج اللقاء، لأن الأميركان سيسخرون منهم ويقولون لهم: «شو جاي أنت تحكي لي، عن حقوق الإنسان؟!».
أما الإعلامي فيصل القاسم مقدم برنامج «الاتجاه المعاكس» في قناة الجزيرة فقال: «أيها الضمير العربي الأعور، لماذا لم تثر ثائرتك من قبل احتجاجا على فظاعات الطغاة العرب؟ أليس ما حدث في سجن أبوغريب عبارة عن لعب عيال ومعاملة خمس نجوم مقارنة بما يحدث في السجون العربية الفاشية بدءا بقلع الأعين مرورا بالاغتصاب وانتهاء بالتذويب بالأسيد والرمي بالصحراء؟ ألم يتردد الحكام العرب في إدانة الممارسات الأميركية لأنهم يمارسون أبشع منها بمئات المرات؟ فمن ينتهك أعراض مواطنيه ويدوس كرامتهم ويسرق أموالهم ويحكم عبر أجهزة مخابرات إجرامية تعتمد أساليب الإهانة والإذلال للجميع في السجون والمطارات والجامعات لا يمكن أن ينتقد انتهاك أعراض المعتقلين في السجون الأميركية».
وتمنى القاسم قائلا: «لعل وعسى يتحرك إعلامنا العربي ومثقفونا لفضح أجهزة الأمن العربية وتصرفاتها النازية بحق آلاف المعتقلين العرب من المحيط إلى الخليج؟».
وقال خالد شوكت: «أوجز في كلمات بأن المنطقة العربية هي أكثر منطقة انتُهكت فيها حقوق الإنسان، سجلات التعذيب هي السجلات الأبشع من نوعها، أنواع التعذيب التي اخترعها الحاكم العربي لا تخطر على بال، نحن لا نصدر النفط فقط وإنما نصدر أيضا تقنيات وآليات التعذيب للأسف الشديد، دولنا محكومة في غالبيتها بوزارات داخلية وبأجهزة أمنية أنظمة فاقدة للشرعية تقوم على انتهاك كرامة وحقوق الإنسان بشكل يومي، هذا هو عنوانها الأساسي والرئيسي من المحيط للخليج للأسف الشديد، ويمكن أن أُعَدِّد لك أصنافا كثيرة من الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون العرب من المحيط إلى الخليج بشكل يمكن أن يجعل العبارات عاجزة عن وصف هذه الحالات التي تعرض لها هذا الإنسان، يعني فنون في التعذيب، فنون في القمع، فنون في محاصرة الحريات...».
هنا الجحيم إذ تقلع العيون
وأضاف: «هنا جحيم من صنع البشر، ألوان لا تخطر على بال، جثث معلقة من أرجلها مسلوخة من جلدها تماما كالذبائح تتصاعد منها الصرخات ثم تخفت إلى أنات ثم تخفت الأنات إلى أنفاس تتردد حتى تُلفظ الأنفاس، طبعا السلخ يتم بطريقة مؤلمة هي الضرب بالسياط ثلاثة أو أربعة على واحد حتى ينسلخ جلده ويتركوه بين الحياة والموت، كلاب متوحشة تعوي وتهاجم وتقتطع أجزاء حية من الأجساد، أسلاك الكهرباء تسري في الأجساد وتصيبها برعدة شديدة وتتركها كذلك بين الحياة والموت، نزع الشعور واقتلاع الأظافر. ولحمزة البسيوني هواية غريبة، فهذا السجان ينزع نصف الشارب من ناحية ونصف الذقن من ناحية أخرى ليسخر من خلقة الله، الحرمان من الطعام والشراب في عز الحر، الثلاجة زنزانة لها عتبة عالية تُملأ بماء بارد ويقذف فيها المعذب يومين أو ثلاثة بلا نوم بلا راحة بلا جلوس، طبعا هذا المشهد المليودرامي يتكرر تقريبا في كل المعتقلات والسجون العربية، وبطبيعة الحال هو مرتبط بأزمة الديمقراطية وبأزمة الشرعية في العالم العربي».
وذكر حمزة الجواهري في مقال بعنوان «أبوغريب: دروس في الديمقراطية»: «السجون العربية التي لا تحصى وتغص بالمعتقلين، الكثير من المعتقلين فيها لا يعرف ما هي التهمة الموجهة له، ولا متى سيخرج من تلك القبور، ولا يدري لماذا يعذب، ولايدري من الذي يعذبه لأنه معصوب العيون، هذا إذا بقيت له عيون ترى النور، ولا يعرف عنه أهله أين هو، ولا يستطيع أن يسأل عنه أحد، فالذي يسأل عنه سيجد طريقه للمكان ذاته الذي يسأل عنه، ليكون هو الآخر ضحية، ولكن هذه المرة يعرف جريمته، ذلك أنه سأل عن أخيه السجين، ولكن بالتأكيد لا يعرف أين يقع السجن الذي يقبع فيه، لأنه ليس هناك من يعرف موقعا لسجن في هذه البلدان».
وقالت منى شقير: «إن التعذيب والقتل هو الثمن الذي دفعه المعارض السياسي على فترات من التاريخ العربي الإسلامي فردا كان أو جماعة، وإذا كان الخلفاء وولاة الأمر حكموا بمقتضى سلطة دينية اطلاقية فإن بعضا من الحكام العرب استمر بالاعتقاد انه يحكم بمقتضى سلطة اطلاقية هي غير دينية بالتأكيد، ولكنها كافية لممارسة كل أشكال القمع والعسف والاضطهاد، ما يجعلنا بحــاجة لا للقطيعــة مع التاريــــخ بل مع هـــذا الحـــاضر بـــكل ما ينطوي عليـــه من اجحاف وبشاعة متجذرة فيه تاريخيا ومفاهيميا وواقعيا».
ومن هنا من واقعنا الخليجي، قال الكاتب محمد الرميحي: «هناك العشرات من أهل الرأي العرب في السجون اليوم، بعضهم معروف بالاسم، وبعضهم قضى حتى الآن عشرات السنوات، لا نعرف عنهم شيئا يذكر، كل ما نعرفه بين الفترة والأخرى انتقال بعض أسمائهم إلى الرفيق الأعلى»، (الحياة، 12 يونيو/ تموز 2004).
وأضاف: «جميل أن ندين ما قام به السجان الأميركي في أبوغريب وغيره من السجون من فعل بربري لا يمكن تبريره أخلاقيا، بل ان واجب الإدانة محتم، والأجدى والأكثر شجاعة أن ننظر بين ظهرانينا، لنرى كم من بني جلدتنا استعذب التعذيب حتى أصبح خبز يومه، وترك لنا عشرات من الحاقدين، لأننا لم نترك لهم حرية القول، فتحولوا إلى خراب الأوطان».
وننهي هذا الحديث المؤلم حقا بما قاله سلام العتيبي ساخرا: «هنالك وسائل تعذيب سريعة القتل متطورة ومستوردة من دول العالم المتحضر جدا... وليست هناك وزارات داخلية في دول الوطن العربي، وليست هناك محاكم فاسدة مزيفة مرتشية، وليس هناك حكام وملوك يقتلون معارضيهم بمسدساتهم الشخصية!».
ولابد إلى الإشارة إلى تقرير «منظمة العفو الدولية» الذي يكشف حقائق يتألم لها كل شريف، فهو متاح للجميع للاطلاع عليه.
الدبابات قادمة
نقول أخيرا، ان فيما مضى قالوا: «إن الدول التي لا تدخلها البضائع ستدخلها الدبابات»، ونحن نقول لحكوماتنا جميعا من دون تمييز «إن الدول التي لا تطلق سجناءها وتعتذر إليهم ستدخلها الدبابات هذه المرة ليس فقط لتفرج عن السجناء واجبارها على الاعتذار عن كل أفعالها المشينة، بل ستفرج عن الأوطان جميعها من دون قيد أو شرط، فهذه الدبابات تستعد الآن بعد الانتهاء من احتفالات النورمندي التي حررت أوروبا قبل ألمانيا. فهل نحن على استعداد لاستقبال هذه الدبابات؟».
إذا كان الجواب بنعم فلنبق على حالنا، أما إذا كان الجوب «لا» فلنبادر بإطلاق سراح جميع السجناء وقبل ذلك لنبادر بإطلاق سراح الوطن من سجنه الرهيب. بالأمس اعتذر رئيس أكبر دولة واليوم أعتذرت أكبر مؤسسة دينية عن «محاكم التفتيش والتعذيب»، وصرحت قائلة: «الدرس الذي يلقننا إياه التاريخ لا يعرف النهاية»
العدد 680 - الجمعة 16 يوليو 2004م الموافق 28 جمادى الأولى 1425هـ