البعض يتساءل: لماذا يعمل هذا الكاتب جاهدا على توثيق كل قضية صغيرة كانت أم كبيرة تماما كما فعل في ملف الأوقاف والتأمينات والتقاعد. أقول لهؤلاء المتسائلين: في مرحلة أمن الدولة كان الناس ملزمين بإملاءات خاطئة وبعضها جائرة، تحولت إلى عقيدة سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية. إن المواطن إذا ظلم بأية صورة من الصور من مديره أو من قبل مقال هنا أو خبر هناك، في رأي سياسي أو اجتماعي أو... فليس بوسعه إلا الصمت والسكوت خوفا على الرزق، وهذه النقطة خلقت الكثير من الآلام والمعاناة. في كل وزارة يوجد عدد كبير من المسحوقين من قبل مسئول هنا أو هناك، وكثيرا ما يستغل المسئول سيف الرزق في التلويح بقطع الرقاب وما على الموظف إلا الرضا والخنوع والتذلل إلى درجة العبودية وإلا فسيرى نفسه ملقى في الشارع يبحث عن كسرة خبزٍ يأكلها من القمامة، هذا إذا حصل عليها.
لا أريد أن أهوِّل الأمر وأنا دائما ما أجعل الأرقام والوثائق هي التي تتكلم. لم يكن لأحد أن يصدق - لولا التوثيق - ما كتبته عن الأوقاف والتقاعد وعن بعض القضايا هنا وهناك في الوزارات. ولكن دعوني أصدقكم القول - وسأثبت ذلك لكم مستقبلا - إن أوراقا كثيرة لا أزال أتسلمها موثقة عن جرائم بعض المسئولين في الوزارات، نعم أنا مصر على الكلمة، جرائم إدارية وظلم تعسفي لا يمكن أن يتخيله أحد. لن أطلق الكلمات على عواهنها حتى لا أُتهم بالمبالغة أو الإنشائية أو التحيز في الطرح. كل كلمة سأوثقها، ولقد حباني الله بمتطوعين يعملون معي لتوثيق أي ظلم تعسفي إداري أو غير إداري، وأي فساد يحصل هنا أو هناك.
وهذا توفيق من الله أن تأتيك الناس من كل مكان، سنة وشيعة، لتعطيك صورا عن ذلك. وهنا أهيب بالمتطوعين الغيورين من المجتمع ومن الطائفتين الكريمتين أن يوصلوا لي أسماء كل من يعمل على قمع المواطن بحجة الانتماء من أي توجه كان وأيا يكن اسمه ومن أية طائفة كان.
من دون ذلك لن نستطيع أن ننظف هذه الوزارات من الدناءات العنصرية، هناك أدران يجب إزالتها بالقانون وبالتحري وبالإعلام. أقول: هذه الجرائم الإدارية لها دور كبير في استعباد الموظفين ولها انعكاس على نفسيتهم «راجع كتاب الأثر النفسي للقرار الإداري على الموظف». ففي هذا الكتاب السيكيولوجي يصور المؤلف مدى خسّة المسئول عندما يتحول إلى ذئب بشري يتلذذ بإيقاع الألم على موظفيه، عندما يستغل ضعف الموظف فيقمعه، يتلاعب في درجاته، في كتابة التقرير عنه، في تلبيسه تهما كيدية، في استعباده إلى درجة المسح به بالأرض، في عدم إعطائه حقوقه، في عدم الاكتراث بسنيّ عمله وخبرته في العمل... الخ. وإذا كان في قطاع خاص فيسلط صاحب الكتاب الضوء على مدى جشع رب العمل في الحصول على المال ولو كان على حساب آلاف العاملين وهكذا.
سؤال: هل تعلمون ماذا يحدث في مطابخ بعض الوزارات؟ هل تعلمون كيف يتم توزيع المناصب وكيف تعطى البعثات وتوزع الترقيات؟ هل تعلمون أن هناك إدارة يتم التوظيف فيها عبر الهاتف وتملأ بطريقة أسرع من الضوء؟ هل تعلمون كل ذلك؟ ما أريد قوله ان على المواطنين أن يخرجوا من حال الصمت في مثل هذه القضايا، وأن يوصلوا ملفاتهم عن أي ظلم أو تجاوز أو فساد يقع عليهم أو على مصالح الوطن في أية مؤسسة أو أية إدارة، وأنا هنا على استعداد لدراسة أي موضوع أو أي ظلم يقع لإيصالها إلى المواقع المؤثرة... ان على المواطنين ألا يكتفوا بـ «التأفّف» أو الاتصال بالهاتف بل يجب عليهم كتابة التظلمات وتوثيقها قدر الإمكان ومن ثم تسليمها.
أهم مسألة أن نعمل على خلق عقيدة التوثيق وتسجيل أسماء أي متورط في ذلك ومن ثم كتابتها، وأنا على استعداد للحصول عليها وإيصال ما ورد فيها لمواقع التأثير من دون أية زوبعة. دعونا نتخذ من الحرية والمشروع الإصلاحي طريقا للتصحيح ومراقبة الفاسدين. وأهم مسائل ذلك: (1-) التعسف الإداري (2-) الفساد المالي (3-) قسم المشتريات وكيف تتم المناقصات فيه، ومع من؟ وهل تتم وفق معايير صحيحة أم لا؟ أرجو قراءة كتاب «غسيل الأموال... الظاهرة، الأسباب، العلاج» لمحسن الخضيري. على كل موظف يقع عليه ظلم أن يوثقه ولو كتابيا. ومع الأيام سنصل إلى مرحلة توثيق هذه الحقائق لتصبح مادة دسمة عند تحكيم القانون وتحكيم الإعلام والصحافة وعند تحكيم البرلمان. وهنا أهيب بالنقابات في الوزارات أو في القطاع الخاص بتوصيل كل شكاواها عبر ملفات، وسأقوم بدراستها أيضا لنتعاون صحافيا ونقابيا، وكل ذلك يصب في صالح البلد وفي صالح هذا الوطن.
لقد تحول الناس - ولله الحمد - إلى رسل تبعث لك آلامها ومشكلاتها، وخيرهم من وثّق قضاياه. ينبغي أن نودع مرحلة الكلام في المطلق والإنشائيات والكلام العائم، قال لي فلان، وتحدث في ذلك المجلس علان... هذا لا ينفع ولا يُشترى به جناح ذبابة. من يقول لك سمعت أو يقولون فقل له: «خلّيه» لك، لا حاجة لنا فيه... إن كنت تريد عملا مهنيا ومدروسا تقطع فيه السبل على أي شخص يطلق الكلمات في المطلق فاذهب ووثق الكلام. ولعلكم لاحظتم كيف تتم العملية... الآلاف بل الملايين راحت تقول: إن هناك انتهاكا لحقوق الإنسان في العراق. لم «يعطس» في وجهها أحد. مجموعة صغيرة من صور أبوغريب فقط بينت حجم آلام يندى لها الجبين. وأقول هنا: كم من صورة ترتكب في مؤسسة هنا أو هناك على شاكلة أبوغريب ولكن في قضايا إدارية، في تهميش أو ظلم موظف، أو في بخس عمال في المأكل والملبس و...
دعونا نوثق ولنشق طريقنا إلى بناء بحرين الديمقراطية والتوثيق، بحرين الأرقام، بحرين الحقيقة وليس الاتهامات الإنشائية. في النهاية هي خدمة للوطن ولكم أن تنظروا إلى ملف الأوقاف، التأمينات، تثبيت الأطباء، طرح البعثات في الصحافة بالأسماء، مساعدة الفقراء، توظيف عاطلين، طرح تظلمات المواطنين ممن لم يحصلوا على بيوت إسكان، معالجة أزمات كبرى (شارع المعارض)، «التقاعد الذهبي»، مساءلة وزراء، رفع سقف الحرية، رفع ظلامة أكثر من 700 عاطل من المعلمين قبل عامين... إننا نستطيع أن نحقق الكثير لهذا الوطن، ولكن يجب ألا نيأس وأن نتعاون كمواطنين بعيدا عن الانتماء المذهبي، ولنحرج كل من يتعاطى وفق هذا المعيار.
إشارات
- سؤال لديوان الخدمة المدنية (من باب الاستفسار): هل يجوز قانونيا بعث موظف لدراسة الماجستير على حساب الدولة إلى الخارج إذا كان لا يمتلك - مثلا - بكالوريوس؟... في انتظار الرد.
- جاءتني شكوى على شخص في قطاع ما تتعلق بمسائل عن الفنادق والمطاعم. الشكوى موثقة، وأقول للمرسل: سأراجع الوزارات المعنية لمراجعة ما إذا كان هناك «تزوير». وإذا ثبت صحة ذلك فسأعرض القضية في الصحافة موثقة ولكن بعد سماع رأي الوزارة.
- عند تعرضي لقضية الإسعاف الذي جاء لأحد الموظفين، اتصل بي مسئول رفيع المستوى، يقول: إنه على حق في موقفه. فقلت له: سنتناقش في هذه القضية بالأرقام والوثائق لأن شكاوى متنوعة ولأشخاص مختلفين وصلت ولا يمكن الحكم في قضية حتى سماع الطرفين بالوثائق وليس بالإنشاء حتى لا يبخس كل ذي حقٍ حقه.
- نتمنى تشكيل لجنة بشأن توزيع مناصب المديرين والمديرين المساعدين، وعلى منتسبي وزارة التربية أن يضغطوا في هذا الاتجاه، والشفافية مطلوبة.
- مسئول رفيع المستوى يتدخل كثيرا في إرساء المناقصات، وفي توجيهها نحو أقاربه
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ