تشكل النتائج الأولى لزيارة نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح لدمشق ولقاءاته مع كبار المسئولين السوريين خطوة في اتجاه تغييرات استراتيجية محتملة في العلاقات بين سورية والعراق، ما يعني تصفية علاقات التوتر التي تصاعدت واستمرت في الفترة التي اعقبت الاحتلال الاميركي - البريطاني للعراق في أبريل/ نيسان 2003، إذ أصبحت السياسة العراقية إزاء سورية سياسة يديرها الاحتلال، وهو أمر ترك أثره في سياسات مجلس الحكم العراقي وحكومته، وتغيرت هذه القاعدة بصورة جزئية مع قرار الاحتلال تسليم السلطة للعراقيين في نهاية يونيو/ حزيران الماضي بعد تعيين غازي الياور رئيسا للعراق وتشكيل حكومة إياد علاوي، التي يشغل برهم صالح منصب نائب رئيس الوزراء فيها.
والدافع للقول إن زيارة صالح لدمشق خطوة نحو تغييرات استراتيجية في علاقات دمشق - بغداد، يكمن في الاهتمام السوري بهذه الزيارة، وفي الموضوعات التي جرى تناولها، ثم في النتائج التي تم التوصل إليها في نهاية الزيارة.
وكان بين دلالات اهتمام السوريين بالزيارة استقبال كبار المسئولين السوريين للوزير العراقي، إذ استقبله الرئيس بشار الأسد بحضور وزير الخارجية فاروق الشرع، وكذلك نائب رئيس الجمهورية عبدالحليم خدام، ورئيس الوزراء محمد ناجي عطري، اضافة الى لقاءاته مع مسئولين أمنيين كبار، وهذا يعني ان القيادة السورية دققت وناقشت في كثير من التفاصيل التي طرحها برهم بشأن العلاقات السورية - العراقية ومستقبلها، وللخروج بتصورات أوضح عن آفاق علاقات تعالج الموضوعات المطروحة وبين الأبرز فيها قضايا التسلل عبر الحدود، والأموال العراقية في المصرف التجاري السوري، والتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وهي موضوعات أجملها صالح بالقول، إنها شملت بـ «التفصيل مجالات التعاون الاقتصادي والامني، وضرورة التنسيق بين البلدين وبين الأجهزة المعنية، لأن الأمن أمن مشترك واستقرار العراق سيكون عامل خير لكل المنطقة، وعدم الاستقرار ستكون له تداعيات على كل المنطقة».
وما يوضح التصورات السورية، ويعطيها طابعا ايجابيا، ليس فقط التصريحات التي أطلقها من دمشق برهم صالح، وكبار المسئولين السوريين وفي المقدمة الرئيس بشار الاسد، بل في الخطوات الإجرائية التي جرى اتخاذها، والتي تعتبر بين النتائج المباشرة للزيارة، وكان في مقدمتها أمران، الأول تشكيل لجنة وزارية متخصصة تمهد لزيارة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي لدمشق، وتشكيل لجنة وزارية أخرى هدفها إعادة الاموال العراقية الموجودة في المصرف التجاري السوري الى العراق.
وعلى رغم أهمية ما أحاط بزيارة برهم صالح لدمشق، فإن النتائج النهائية للزيارة ستتحد في ضوء نظرة بغداد الى الزيارة وما تحقق فيها من نتائج، الأمر الذي سيحدد الخطوات التالية التي ستقوم بها الحكومة العراقية نحو تعزيز العلاقات مع سورية، وهي الخطوة المنتظرة من زيارة رئيس الوزراء إياد علاوي لدمشق، والتي جزمت مصادر عراقية «انها قريبة».
غير ان انتظار ما ستقرّره بغداد لايمنع قول إن الحكومة العراقية الحالية من مصلحتها المؤكدة السعي الى علاقات أفضل مع دول الجوار وخصوصا مع سورية، التي تربطها علاقات عميقة ومعقدة بالعراق لايمكن إلا أخذها في الاعتبار من جانب أية حكومة عراقية، وما يعزز ضرورة توجه الحكومة العراقية نحو علاقات اكثر قوة وعمقا مع سورية مجموعة علاقات لدمشق مع اقطاب في الحكومة العراقية بما فيها علاقات مع رئيس الوزراء إياد علاوي الذي زار دمشق والتقى كبار المسئولين فيها قبل عدة أشهر فقط، وهي علاقات تماثل علاقات سورية مع أركان المعارضة وكثير من الفعاليات الاجتماعية العراقية، وما يعزز توجه بغداد الى علاقات أقوى مع سورية خطاب إعلامي سوري، قام باسقاط صفة الحكومة المؤقته على الحكومة العراقية، ومضمون واضح لكلام الرئيس السوري في تأكيده لـ «الموقف السوري الداعم للشعب العراقي ووحدة الاراضي العراقية وعودة السيادة كاملة الى العراقيين».
غير انه لابد من ملاحظة أخيرة فيما يجري بين العراق وسورية واحتمالات تطور العلاقات بينهما، وهو ان ذلك مرهون بالموقف الاميركي بسبب الارتباطات السياسية بين العراق والولايات المتحدة، وهي ارتباطات معلنة ومعروفة، وستظل حاسمة ومؤثرة بصورة قوية على الأقل حتى إجراء انتخابات ومجيء حكومة منتخبة في العراق مطلع العام المقبل.
وفي كل الأحوال، فإن زيارة برهم صالح كانت خطوة مهمة لتبريد الحساسيات السورية - العراقية، التي عبرت عنها تهديدات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لدول الجوار، ودفع العلاقات بين دمشق وبغداد في مسارات هي الأكثر هدوءا منذ شن الحرب الاميركية - البريطانية على العراق
العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ