قبل عقود عدة كان أهل البحرين يخرجون مع هبوط الحر من منازلهم إلى البساتين، يعيشون بين النخيل والأشجار ويشربون من السواقي و«السيبان». فإذا اندحر الحر عادوا إلى منازلهم سالمين غانمين. ولكن الحال تحوّل، البساتين تحولت إلى اراضٍ ومخططات، والسيبان جفت، والعيون انطفأت.
واليوم... مادام انقطاع الكهرباء مازال ساري المفعول، ومادام الحر لا يريد أن يفك طوقه من حول رقاب الفقراء والمساكين، فلابد من أن يسعى المرء في إصلاح شأنه، وليس عليه أن يكون موفقا! وبدل مناطحة الحيطان أو انتقاد فلان وعلاّن، من الأفضل أن نشحذ عقولنا معا للبحث عن طرق للهروب من النيران!
البعض اقترح أن تقام صلاة «الكهرباء»، تأسيا بصلاة الاستسقاء حين ينقطع المطر وتجدب الأرض، لأن في الصلاة زادا روحيا يخفّف على القلوب. والبعض الآخر قدّم «اقتراحا برغبة» بأن يلجأ الناس إلى المساجد لعقد حلقات دعاء طارئة، ويكرروا «أمّن يجيب المضطر إذا دعاه»، عشر مرات، ويزيدون ما شاء الله لهم من الزيادة حتى ينقشع البلاء وتعود الكهرباء. ولكن الإشكال الوارد على هذا الاقتراح هو ان الله جلّت قدرته لم يقطع الكهرباء حتى نتوجّه إليه بالدعاء، وانما هناك «خطة إلكترونية» مبرمجة معلنة على رؤوس الأشهاد!
إلى ذلك هناك بعض النصائح المفيدة، ربما أخطأت في بعضها، ولكن لكل مجتهد نصيب، وعذري انها صادرة من قلب يبتغي التبريد على قلوبكم في الحر، وبالذات عندما تنقطع الكهرباء وتلتهب الأجواء! على ان تكون هذه النصائح مجرد بداية «اجتهاد أولي»، قد تتلوها اجتهادات أخرى تصبّ في هذا الاتجاه، استعانة بما تتفتق عنه قرائح القراء، ربما يتم جمعها نهاية فترة الصيف وانقشاع الحر، وارتفاع السموم، لتطبع في كتيب أنيق ليوزع السنة المقبلة مع «الوسط»، واعتزمنا على تسميته بـ «المرشد الصيفي الأمين لانتجاع مواطني البحرين»، مادامت أزمة الكهرباء لاتزال تراوح مكانها منذ خمسة وعشرين عاما.
طبعا هناك أماكن لا يمكنكم ارتيادها مثل السواحل التي تحيط بالبلد إحاطة السوار بالمعصم، بعد ان كانت قبل سنوات مفتوحة للجميع. ومع ذلك عندما تنقطع الكهرباء يمكنكم الانتجاع في بعض هذه الاماكن:
أولا: مطار البحرين الدولي، فهو واسع وكبير وفيه طابقان، طابقٌ للمسافرين الأذكياء الهاربين من شمس البحرين إلى البلدان الباردة، وطابقٌ للأذكياء القادمين للتمتع بشمس البحرين المشرقة. في المطار اطمئنوا تماما، فالكهرباء لن تنقطع، فيمكنكم أن تأخذوا أطفالكم ونساءكم و«شغالاتكم»، وتنتجعوا هناك. فقط هناك مشكلة وحيدة وصغيرة جدا، فعليكم أن تبحثوا لكم عن موقف للسيارة.
المكان الثاني المقترح هو: المستشفيات، في أوقات الدوام الرسمي يمكنكم الانتجاع في مجمع مستشفى السلمانية الطبي، وبعد الدوام فعليكم بالطوارئ، فالمكان مكيف وكبير ومكون من ستة طوابق، ويمكنكم الجلوس هناك ساعات عدة حتى تعود الكهرباء. هذا بالنسبة إلى سكان الشمالية وما حولها، أما سكان الوسطى والرفاعين وجو والغربية، فيمكنهم اللجوء إلى المستشفى العسكري، فهناك يجدون ما يحبون.
لكن الورطة في سترة، عندما تنقطع الكهرباء أين يذهبون؟ حتى مستشفاهم تنقطع عنه الكهرباء، فيفسد الدواء ويموت المرضى من الحر، مع ذلك هناك حلٌ مؤقت: اللجوء إلى جزيرة النبيه صالح، فهناك في الجهة الشمالية الغربية بعض «البقع» لم يتم استملاكها، يمكن أن تستوعب سهرة عدة مئات حتى تعود الكهرباء.
هناك ملجأ آخر: المجمعات التجارية. والمجمعات أنواع، صغيرة ومتوسطة وكبيرة. الأوليان (ما تصير) الساعة العاشرة ليلا حتى تغلق أبوابها وتطفئ أنوارها. اما الكبيرة فتسهر حتى ما بعد منتصف الليل. (بس أهم شيء ما تكون الليلة ليلة عطلة: خميس أو جمعة)، لكي تحصلوا على موقف للسيارة.
إذا لم تحصلوا على موقف، فيمكنكم الدوران في شوارع البحرين حتى تدور رؤوسكم، أو العودة إلى مناطقكم، والمبيت في سياراتكم، حتى مطلع الفجر، أو تعود الكهرباء الهاربة!
مجموعة مقترحات، عسى الله أن يخفف بها عنكم بعض الحر، في زمن الانقطاع الإلكتروني المبرمج الجميل
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ