«لكي تدوم أميركا لا بد لها أن تتغير»
الرئيس السابق بيل كلينتون (1993)
لو بوسعنا ان نزيد من عدد عجائب الدنيا السبع، لاعتبرنا أميركا ثامنها. عالم ولد من الفوضى، وحكم العالم من منطلق القوة. فعندما اكتشف اسحاق نيوتن قانون الجاذبية وفقا «لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه» بدأ العالم يسير نحو النظام، والعلاقة السببية في الأنظمة السياسية، والعلوم الاقتصادية والحياة الاجتماعية، مكونا بذلك نظاما رتيبا على أساس توافقي وترتيب تصاعدي.
لكن ما أن اكتشف اينشتاين الانشطار النووي في منتصف القرن الماضي، بدأت الفوضى تدب، وأصبح كل شيء ممكنا حدوثه، ما يصح وما لايصح. والسلم التصاعدي أمر يمكن تجاوزه على جميع الأصعدة الحياتية، ومن هذا المنطلق ظهرت اميركا. فالأميركيون صنف جديد من البشر جذوره نشأت من أجناس عدة، مكونا بذلك ظاهرة يصفها جون شتانيك في كتابه «أميركا للأميركيين»، المنشور في العام 1966م، «انها فوضى أثنية ظاهرية».
هذه الفوضى عززت مفاهيم لم تكن موجودة من قبل، منها النظام الرأسمالي وتعزيز مبدأ المصلحة، اتساع الفجوة بين عالم البذخ والرفاه المادي وعالم الفقر والجهل، انعدام النظام الطبقي الاجتماعي القائم على النسب والأسرة، التحرر الفردي من القيود الدينية والأعراف المجتمعية، السرعة في الانجاز والتسابق مع الزمن، ظهور المافيا الاقتصادية والسياسية، اللجوء الى القوة أو التلويح بها لارضاخ الآخر.
والأكثر من ذلك كله ان الولايات سارت من نشأتها الأولى على رفض الآخر المخالف لها، فقد خرج البيوريتانيون - الآباء الأوائل - من انجلترا لانهم لم يستوعبوا فكرة الوفاق الديني في ظل الاختلاف، فقرروا الرحيل الى عالم لا يسع إلا لمثلهم، واجبروا الآخرين ممن اضطرتهم الظروف للهجرة إلى التعايش معهم ضمن حضارتهم. وعندما احتاجوا إلى عناصر بشرية للسخرة في المزارع ومناجم الفحم، بحثوا عن جنس بشري مغاير ليمارسوا عليه العبودية بكل قسوة واجحاف، ورفضوا ذلك الانسان الأسود القادم من أدغال إفريقيا ان ينضم تحت لواء الأمة الأميركية.
ويرجح جون سي كالهوي السبب في «ان الصعوبة هي في اختلاف الأجناس، ان الخط الفاصل الذي رسمه بين الجنسين كان قويا بنتيجته، وازدادت قوته بفعل العادات والتقاليد، بحيث انه من المستحيل على الجنسين العيش معا في مجتمع واحد». وليس المعول الأساسي في اختلاف الجنس والعادات بقدر ما هو رفض الآخر المغاير. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، تزعمت الولايات المتحدة القطب الرأسمالي ضد القطب الاشتراكي في حرب شرسة عرفت بالحرب الباردة، وسعت بكل ما تملك من قوة الى ضرب الآخر في المنظومة الاشتراكية بل اقصاؤه من الخريطة الدولية وهذا ما فعلته في أوروبا الشرقية وكوبا والصين، اذ سعى وزير خارجيتها السابق جورج مارشال في خطابه الموجه الى طلاب جامعة هارفرد في يونيو/ حزيران 1947، الى تقسيم العالمين الى معسكرين شرقي وغربي. ومن باب «على العالم ان يختار» بدأت أميركا بتطبيق اقتراح الرئيس ايزنهاور، والمتمثل بتقديم مساعدات ضخمة الى الحكومات المتعاونة معها في القضاء على الشيوعيين.
ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، أصبح الآخر لها هو الشرق الأوسط ابتداء من قوائم الإرهاب، محور الشر، ملاحقة تنظيم القاعدة، الحرب على العراق، مشروع الشرق الأوسط الكبير، الاصلاح العربي. كل ذلك من أجل ايقاف بعض من المسلمين الذين يلاعبونها بسكيولوجية الجسد، متناسية ان الجرائم المدفوعة بالكراهية والتحيز تسبب اذى يفوق الأذى الذي ينجم عن جرائم أخرى، اذ تتسم غالبيتها بالغضب والشراسة على ضحايا يتم اختيارهم عشوائيا.
فلابد لأميركا أن تتغير، فسلّم الرقي نحو الحضارة لا يقوم على مبادئ القوة وفرض الحروب المأسوية الطابع، بل على مبادئ تتمثل في العدالة وتكريس الحوار مع الآخر، إن أرادت لنفسها أن تدوم.
كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ