العدد 678 - الأربعاء 14 يوليو 2004م الموافق 26 جمادى الأولى 1425هـ

فرنسوا شنغ: شاعر صيني في الأكاديمية الفرنسية

منحت الأكاديمية الفرنسية جائزة الفرنكرفونية الكبرى العام 2001 لفرنسوا شنغ تقديرا لمجموع أعماله، وانتخبته في 13 يونيو/ حزيران الماضي لكرسي جاك بوروبون بوسي. وهكذا أصبح فرنسوا شنغ أول كاتب آسيوي يدخل معبد الثقافة الفرنسية.

فمن هو هذا الرجل، صاحب القامة الضعيفة والنظرة الوقادة، الذي يحظى بالجوائز منذ فترة؟ فرنسوا شنغ هو روائي، ومترجم لكبار الشعراء الفرنسيين، وشاعر أيضا وخطاط، وهو بحسب تعبير صديقته الشاعرة هيلين دوريون «عبار بين عالمين»: الشرق والغرب.

فمن الصين حيث ولد العام 1929 احتفظ بكنيته شنغ، ومن فرنسا إذ استقر منذ العام 1949 اختار اسما رمزيا هو فرنسوا، كما سان فرنسوا داسيز لأنه يقول إن «صوفية سان فرنسوا تمجد الطبيعة والحي والماء والنار وأجد فيه نغما صينيا». يشهد اسمه على ملتقى ثقافتين أخذ منهما الأفضل: التركيز الشرقي والعشق الغربي.

رجل من دون كلام

كبر شنغ في قرية هادئة وفي وسط مثقف، طبعت شهور الرحيل عبر الصين بسبب الحرب الأهلية فترة شبابه، ومن ثم حصل على منحة دراسية إلى الخارج ولمدة سنتين. قاده عشقه للأدب الفرنسي إلى باريس، وكان آنذاك في العشرين من العمر ولا معرفة له باللغة الفرنسية.

في نهاية السنتين، وعلى رغم رغتبه بالعودة إلى المناظر التي شهدتها طفولته على ضفاف نهر يانغزي الذي يحن إليه فإن التاريخ قرر عكس ذلك، وأصبح الطالب مغتربا. لم يكن بإمكانه الابداع بالفرنسية وكان بعيدا عن الواقع الصيني فعرف الاحباط. يعترف بقوله: «طيلة عمري المضطرب، كان الفرح يغمرني كلما شعرت برائحة الورق وبطعم الحبر، وخلف ذلك، بالصور التي تجسدها... خلال أكثر من عشرين عاما كنت شخصا من دون كلام لأنني كنت عاجزا عن كتابة الشعر والرواية والخطرات مباشرة باللغة الفرنسية».

لم ينسَ شنغ بلاده في منفاه، وكان يطّلع على كل ما يجري، ويذهب إلى الصين من آن لآخر حتى ولو فضّل عدم استحضار ذكريات عائلية موجعة. كن وضعه المؤلم عرف تحسنا تدريجيا. فقد سجل في السوربون وفي المعهد التطبيقي للدراسات العليا في باريس، وكان يجلس في مكتبة سانت جنفيات ليقرأ الأدب الغربي عندما لا يكون في قاعات الدرس. إلى أن أصبح أستاذ أدب في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، وكانت الصين «على الموضة» في الستينات في أوساط المثقفين الفرنسيين. وأصبحت الفرنسية لغة الابداع عنده. «تدريجيا وبفضل اندماجي هنا وتعرفي على اللغة عرفت متعة تسمية الأشياء كما في فجر العالم».

مثقف مرهف.

عرفت مؤلفاته ومنها: بين نبع وغيم، شيتاو: طعم العالم، غناء مضاعف... النجاح وعرف هو الشهرة. ثم انتقل إلى الرواية بعد عدة أعمال شعرية وخطط، وكانت روايته الأولى «قول تياني» التي ظهرت العام 1998 وحازت على جائزة فيمينا، واحدة من أهم الجوائز الأدبية الفرنسية. أعجب القراء بهذا المثقف الصيني الضعيف والمرهف.

حملت روايته الثانية عنوان «ليس الخلود افراطا» عن منشورات (ألبان ميشال العام 2002)، فهي تحملنا أيضا إلى الصين لمتابعة عشق مستحيل على طريقة تريستان وإيزو. تجري أحداث الرواية في بداية القرن السابع عشر مع انهيار سلالة مينغ ومع وصول المبشرين اليسوعيين. يقرر بطل الرواية داو شنغ العثور على حبيبته التي لم يلقها إلا مرة واحدة ومنذ ثلاثين عاما. ثلاثون عاما من الآلام لم تشوه صورة الحب المستحيل، وتحول الحب إلى علاقة في المطلق. يقول شنغ انه «يناسب الحنين المدفون في أعماقي. كتب هذه الرواية شخص عاش كثيرا وتألم كثيرا وفقد الكثير، لأني تركت أرضي وتخليت عن حياة بأسرها، لكني لا أندم على المنفى بل العكس».

شنغ هو اليوم «الخالد» الـ 705 الذي يدخل الأكاديمية الفرنسية. فاز بـ 21 صوتا من أصل 28، وهذا تكريم لصاحب لغة رمزية لاتربطها بالفرنسية رابطة. ويخلص قائلا: «إن أصبح بعد ثلاثين عاما كاتبا فرنسيا فهذه هي المعجزة وفي هذه المعجزة شيء من العشق وشيء من العزم»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً