بأي حق يمنع رجل دين طبيبة متخصصة في مجالها ومحترمة في عملها من إلقاء محاضرة للنساء في مأتم للنساء لتوعيتهن بشأن تعامل الأمهات مع أبنائهن المراهقين بدعوى أنها غير محجبة في حياتها العامة على رغم احتشامها واستقامتها؟ هل هناك نص في الإسلام يشترط على المرأة التي تحاضر أمام النساء في أي مأتم عن أمور نفسية أو تمس التوعية بالحقوق والواجبات في الدين الإسلامي أن تكون محجبة في حياتها العادية وعملها لتتمكن من إلقاء تلك المحاضرة؟ إذا كان القرآن والسنة النبوية ورجال الفقه القدماء لم يضعوا ذلك الشرط، فمن الذي يمنع من ذلك امرأة محترمة محتشمة متخصصة في مجالها النفسي كانت سترتدي الحجاب في المأتم لتلقي تلك المحاضرة، على أن رغم كل الحاضرات نساء ولا داعي للحجاب أثناء وجودها معهن؟
وأي عُرف جديد هذا الذي يريد بعض رجال الدين المتشددين فرضه على المجتمع النسائي؟ ألا يكفينا ما لدينا من تخلف وعدم فهم لروح ديننا الحضارية؟ هل يريد ذلك الشيخ أن يقول إن النساء المسلمات السافرات المحتشمات المؤديات لفروضهن الخمسة المفروضة عليهن في الدين الإسلامي لسن مسلمات ومؤمنات؟ ان لديهن رسالة اجتماعية، إذ يقمن بالتضحية بأوقاتهن الخاصة للعمل تطوعا لمساعدة الأمهات في كيفية التعامل مع أبنائهن المراهقين، لنتفادى الحوادث المؤسفة المتزايدة في المجتمع بسبب إهمال المراهقين ومن ثم انحرافهم.
هل هذه المحاضرة التي كانت ستلقيها هذه الطبيبة مهمة أم سيمنعها الشيخ من إلقاء محاضرتها في المأتم بين النساء لأنها غير محجبة أصلا؟ وما دخل رجل الدين في هذا الأمر، وهو أمر خاص بمحاضرة ستلقيها طبيبة على أمهات وسيناقشنها في مشكلاتهن؟ هل يقف الدين في وجه عمل صالح كهذا؟ هل بدأ عصر يتحكم فيه رجال الدين في حياتنا تحت مطلب بعض النواب الذي سيفتح أبوابا نحن في غنى عنها تحت باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟
في أي عصر متخلف نحن نعيش؟ ألا يشبه تحكم بعض رجال الدين المتشددين في ديننا الإسلامي بحياة الناس ومفاهيمهم تحكم الكهنة ورجال الكنيسة في أوروبا بمفاهيم الناس، وكأنهم ينوبون عن الله في الأرض ويحكمون باسمه، وهم لا يحكمون إلا بشهواتهم وأغراضهم الدنيوية حتى نفر الناس في أوروبا من دينهم الذي شوّهه أولئك الكهنة وفصلوه عن الدولة ليتمكنوا من التخلص من جبروت طغيانهم؟
إنني لم أجد في حياتي نماذج أساءت الى الأديان السماوية مثل رجال الدين المتعصبين الذين يتحكمون في حياة الناس ومعتقداتهم، وما تمثله هذه الأديان من سماحة وحضارة وتشجيع على النزاهة والاخلاص في العمل وحب الآخرين والعلم والمعرفة.
دعونا نقارن بين رجاحة عقل هذه الطبيبة التي تريد توعية الأمهات، وقبلت لذلك أن ترتدي الحجاب مراعاة لجو المأتم، والنساء غالبيتهن مرتديات للحجاب، وبين عقل رجل الدين الضيق الأفق الذي يحرم النساء من محاضرة نافعة.
إن الحجاب يعني الفضيلة في معناها الواسع والضمير النظيف والروح السامية والنفس المحتشمة، وأداء الفروض الخمسة هو أهم ما في الإسلام. والدليل على ذلك اننا نلاحظ على رغم تزايد ظاهرة الحجاب والنقاب في المجتمع البحريني أن مآسي انحراف الفتيات القاصرات والشابات سلوكيا - سواء القادمات من الريف أو المدينة - تضاعفت كثيرا، ما يدلنا على ان الحجاب لدى بعض من ترتديه من النساء أصبح مظهرا خارجيا في كثير من الأحيان. ومن يعارضني ويعتقد انني على خطأ، فإن من الأفضل له أن يذهب الى مراكز الآداب ويرى الى أي حد انتشرت الرذيلة في أيامنا هذه... سابقا كانت نفوس الفتيات واضحة لا تُظهر وجها وتخفي آخر مثلما تفعل بعض النسوة اليوم، وكانت القيم الأخلاقية الفاضلة منتشرة في ذلك الوقت بين النساء. لقد عشت تلك الفترة وعشت الآن وأرى الفرق الشاسع بينهما، وفي الحالتين أنا وغيري من النساء اللواتي عاصرنني الى الآن نحمل قيما فاضلة وتدينا في الأعماق. وبعضنا وأنا واحدة منهن نحرص على الفروض الدينية الخمسة التي سيحاسبنا الله عليها إذا لم نقم بها جميعا، والأعمال موازين كما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة القارعة: «فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية» (6-11).
هكذا يذكر لنا القرآن الكريم كيف سيحاسب الله الناس على أعمالهم وليس لأحد من رجال الدين أية سيطرة لا على مسجد أو مأتم. هكذا علمنا ديننا، وحتى الرسول الكريم (ص) عندما أرسله ربه أرسله رحمة للعالمين، لا أن يمنع الأمور الطيبة لأسباب غير مقنعة، وقال له الله سبحانه: «إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر» (الغاشية: 21-22).
فهل يتركنا بعض رجال الدين نحاول بناء المجتمع بأسلوب حضاري متقدم مثلما أراده الإسلام، وليهتموا بتعليم الناس الاخلاص في العمل وعدم النفاق والارشاد الاستهلاكي في بيوتهم أفضل؟ ثم يتركوا كل شخص لضميره وحسابه بينه وبين ربه؟ ألم يذكر الرسول الكريم (ص) في الحديث الشريف: «ان الله لا ينظر الى وجوهكم وإنما الى سرائركم»؟
لا أدري لماذا كل هذا التضخيم في مسائل الدين الإسلامي؟ وكأن المرأة التي لا ترتدي الحجاب تقصد الاغراء والاغواء، بينما غالبية غير المحجبات لا يقصدن ذلك وأكثرهن محتشمات، ومن لا تراعي الحشمة فحسابها بينها وبين ربها. لا يوجد أحد يمكنه ان يحكم على تصرفات الناس وأفعالهم وخبايا نفوسهم إلا الله سبحانه... ادعوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة وكونوا قدوة لهم، ألم يأمر الله سبحانه نبيه الكريم في القرآن فقال: «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)... فافعلوا يا رجال الدين مثل نبيكم المصطفى ولا تتحكموا في حياة الناس.
كما ان تهاون بعض رجال الدين النواب بالنسبة لحقوق الموظفين في قضية هيئة التقاعد والتأمينات لا يدل على انهم يفكرون في الآخرة، وإنما في المعاش الكبير والحصانة والعلاوات والسيارات الفارهة... بينما أقام بعضهم الدنيا منذ عدة أشهر لأن المطربة نانسي عجرم ستغني في البحرين، أيهما أهم منع عجرم عن الغناء أم الاصرار على قضية تهم الطبقة المحدودة الدخل من الموظفين الذين يعيشون على معاشهم التقاعدي؟
المتدين بمعناه الشامل الحقيقي هو الأخلاقي الفاضل النزيه المترفع عن المال وشهوات الدنيا المحرمة، والمدافع عن الحق في وجه حاكم ظالم، والمتدين المستقيم هو اللين المعشر مع زوجته وأطفاله يعاملهم بالحنان والعطف والمودة لا كما يفعل الرجال المدعون للتدين وهم لا يحملون أو يؤمنون بتطبيق أخلاقيات الدين الإسلامي الحضارية، ويركزون على شكليات الدين الإسلامي من دون تطبيق جوهره العظيم.
كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 677 - الثلثاء 13 يوليو 2004م الموافق 25 جمادى الأولى 1425هـ
النوايا لرب القلوب, وليس لنا إلا الظاهر!!
ليس مهماً مقصد المرأة من وراء لباسها المخالف لما هو في الشرع, ولسنا مطالبين بالتنقيب عن النوايا.
فلا يعنينا إن كان قصدها طيباً أو خبيثاً, ولكن يعنينا أنها كامرأة تلفت الأنظار حتى وإن اعتقدت أن لباسها "محتشم" نسبة الى نساء أخريات! وتتسبب بفتنة للرجال, وحصول مشاكل زوجية وأسرية , وهذا الكلام معلوم لا ينكره إلا جاهل أو مستكبر.
والنماذج المنحرفة لنساء محجبات لا تغير من وجوب الالتزام بالأحكام الشرعية ظاهراً وباطناً, لا حجة لتقصيرنا وعدم التزامنا بدعوى اهتمامنا بالباطن!
الفصل بين الظاهر والباطن لا يصح.
عندما نقول معنى واسع للحجاب فلزاماً هناك معنى ضيق, وهو ما تريد الكاتبة أن تصل إليه , لا سيما عند تضرب أمثلة مختلة ومنحرفة من "المحجبات" لتدلل بأن الحجاب هو حجاب الباطن !!!!
لا يصح أن تفصلي بين الظاهر والباطن, ثم تقومي بالتقليل من شأن الظاهر, علماً أن علاقته بطهارة الباطن معلومة.
عندما تخرج المرأة للمجتمع الخارجي فلا يصح أن يُرى منها إلا وجهها وكفيها -مع وجو الخلاف بشأن الوجه-, .. ضمن ضوابط معلومة : لا يصف ولا يشف وليس بزينة , وألا تكون متبرجة.