ماذا تستطيع أن تفعله الحكومة العراقية المعيّنة لتحسين سمعتها الوطنية وترتيب علاقاتها مع دول الجوار؟ لا شيء يذكر. فالحكومة تجد صعوبات للتحرك بحرية خارج نطاق السيطرة الأميركية. فهي كما هو معروف مكبلة بسلسلة قرارات أصدرها رئيس إدارة الاحتلال السابق بول بريمر قبل مغادرته بغداد. وتهدف تلك القرارات التي يُمنع تعديلها أو تجاوزها إلى تطويق أية محاولة عراقية لكسرها. فالكسر يعني بداية مواجهة تستدعي التدخل الأميركي لإعادة زمام المبادرة وتغيير الوزارة الحالية بوزارة أكثر طواعية وتملك الاستعداد النفسي للسير في سياسة العبث بأمن المنطقة واستقرار دول الجوار.
الحكومة العراقية ليست حرة ولا مستقلة، بل هي مراقبة أميركيا. حتى تصريحات مسئوليها وتهديدات الوزراء لا تصدر عن عبث، فهي أحيانا موجهة عن بعد وتتم بالتنسيق وبإشراف من الحاكم الأميركي الجديد السيئ الصيت السفير نيغرو برونتي. فالحكومة العراقية الحالية هي معيّنة من الاحتلال وهي واجهة محلية للسياسة الأميركية المعلنة وتشكل غطاء أعطى شرعية دولية بصدور قرار مجلس الأمن الرقم 1546.
القرار الدولي مشوش لأنه يشتمل على سلسلة فقرات غامضة قد تتحول إلى ألغام سياسية في حال لم تدرك الحكومة المعيّنة مدى سلبياتها وتأثيرها على مصالح دول الجوار. الفقرة 15 من القرار مثلا تدعو المنظمات الدولية والإقليمية إلى تقديم المساعدات وهذا يعني بلغة القانون أن من حق حكومة العراق دعوة هيئات ومؤسسات وربما الجيوش للمساعدة في ضبط الوضع الأمني وحماية سيادة العراق من التهديد.
إلا أن حكومة بغداد المعيّنة كانت واضحة في رفضها لقبول مساعدات أو قوات من دول الجوار، ووافقت مبدئيا على أخذ مساعدات من هيئات ودول بعيدة. أي أن الحكومة المراقبة والمسيطر عليها أميركيا استبعدت الجوار العربي والمسلم ووضعت السعودية والأردن وإيران وتركيا وسورية خارج دائرة الفقرة 15 وأدخلت بدلا عنها سلسلة دول وهيئات للإشراف على ترتيب البيت الداخلي.
ماذا يعني هذا الأمر؟ ببساطة يعني إخراج العراق من المعادلة الإقليمية ووضعه في مواجهة عسكرية أو توتر دائم مع دول الجوار. فالفقرة 15 غامضة وتعمد مجلس الأمن عدم وضوحها حتى لا تتضح معالم صورة «العراق الجديد» في المستقبل القريب.
لم تكتفِ الحكومة المعيّنة برفض مساعدة الجيران، بل إنها أطلقت تصريحات ضدهم تهددهم باستخدام القوات الأميركية بذريعة محاربة «شبكات الإرهاب» التي يبدو أنها من صناعة «البنتاغون» وكتلة الشر التي تتحكم بقرارات البيت الأبيض.
إلى ذلك استقبلت حكومة بغداد مجموعة وفود من «ما هب ودب» من دول حلف شمال الأطلسي وطلبت مساعدتهم وإرسال قوات خاصة لحفظ أمن العراق وحماية الحدود مع إيران وسورية تحديدا.
الفقرة 15 من القرار 1546 ليست اللغم السياسي الوحيد. فهناك الفقرة 22 وهي تتعلق بالجانب الاقتصادي العراقي. فالفقرة المذكورة هي أشبه بلغم اقتصادي يطاول مستقبل بلاد الرافدين والطرف المسئول عن قرار النفط والشركات التي ستكلف بإعادة ما يسمى إعمار العراق. فالفقرة 22 تشير إلى الديون العراقية وحجم الإعفاء منها، فهي تذكر نسبة لا تتجاوز 50 في المئة وليس 90 في المئة كما رددت واشنطن سابقا. وهذا يعني بلغة الأرقام أن الموازنة العراقية ستبقى معرضة للضغوط الخارجية والرقابة الأجنبية، الأمر الذي سيعرقل عمليا إعادة الإعمار أو على الأقل فإن الإعمار الموعود سيتأخر كثيرا بانتظار الانتهاء من عمليات تسديد الديون.
اللغم الثالث يتعلق بسيادة العراق. فهذه المسألة غير واضحة أيضا في القرار الدولي. ويبدو أن مجلس الأمن تعمد غموض الفقرة بناء على رغبة أميركية حتى يبقى العراق بحاجة إلى جيوش تدعمه أو تساعده وبغداد تدفع كلفة تمويلها وانتشارها وأفعالها.
سيادة العراق معلقة إذا بانتظار ما ستسفر عنه المتغيرات في المنطقة ودول الجوار. فقوات الأمن العراقية يبلغ تعدادها الآن 140 ألفا وهي ضعيفة التدريب والتجهيز، ودور الأمم المتحدة (القبعات الزرق) سيكون محدودا في المستقبل القريب... وهذا يعني بقاء حاجة الحكومة المعيّنة لدور القوات الأميركية في ضبط أمن البلاد ومراقبة الجوار وتهديد أمن دوله. فهل هذا ما تريده حكومة «حزب العبث» أم أن هناك خيارات أخرى؟ هذا أيضا غير واضح حتى الآن
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 677 - الثلثاء 13 يوليو 2004م الموافق 25 جمادى الأولى 1425هـ