تطالعنا وسائل الإعلام بين الحين والآخر عن احتمالات اندلاع إحدى الحروب الإلكترونية، ونقرأ كثيرا هذه الأيام عن عكوف الإدارة الأميركية على دراسة «إمكانية شن هجمات عبر الإنترنيت لشل دول أو منظمات مناهضة للولايات المتحدة الأمر الدي يمكن تطبيقه مع إيران أو حزب الله في حال تعذر على الولايات المتحدة الدخول في حرب عسكرية وخصوصا بعد تأزمها في حرب العراق». وقد تصاعد الحديث، مؤخرا، وخصوصا بعد وصول براك أوباما إلى الرئاسة عن استراتيجية أميركية «تتضمن إرشادات للحكومة والشركات والمواطنين يتعين اتخادها لعرقلة هجمات إلكترونية يحتمل أن تستهدف شبكات كومبيوتر في الولايات المتحدة».
ونقل موقع «تقرير واشنطن» مقالة للكاتبة حنان سليمان لخصت فيها دراسة أعدها جيمس جاى كارافانو (James Jay Carafano ) وإريك سايرز (Eric Sayers ) من مؤسسة التراث البحثية الأميركية Heritage Foundation بعنوان «بناء قيادة أمنية إلكترونية للقرن الحادي والعشرين» (Building Cyber Security Leadership for the 21st Century)، حوت توصيات «لإدارة أوباما لتعزيز أمنها الإلكتروني».
لكن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تتعرض اليوم لهجمات إلكترونية، إن جاز القول، فمؤخرا تعرضت دول عديدة، من بينها ألمانيا، لمثل تلك الهجمات الأمر الذي دفعها إلى إعداد نفسها لمواجهة حروب، تصنفها ألمانيا على أنها «حروب المستقبل». ولا تزال عالقة في أذهان الكثير منا حرب ألمانيا ضد فيروس دودة «كونفيكر» التي هاجمت المئات من أجهزة الحاسوب التابعة للجيش الألماني.
هذه الهجمات وأخرى غيرها هي التي دفع الحكومة الألمانية في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني2008 إلى صياغة مشروع قانون لدعم «الأمن المعلوماتي» للبلاد. وبموجب مشروع هذا القانون ووفقا لموقع «دويتشه فيله» وهو صوت ألمانيا المرئي والمسموع والمقروء إلى العالم الخارجي فسوف يتم العمل من أجل «تعزيز موازنة وعدد العاملين في وكالة الدفاع الإلكتروني، إضافة إلى توسيع صلاحياتها نظرا لما أظهرته أحداث عالمية من خطورة الحرب الإلكترونية، فقد تعرّضت استونيا مثلا العام 2007 إلى هجمات قرصنة إلكترونية كبيرة ومنسّقة تسببت في شلّ الحركة العامّة في البلاد».
ولاتقف حدود الحروب الإلكترونية عند الدول الغربية، بل نجد لها صدى عاليا في القارة الآسيوية، حيث بادرت ماليزيا إلى بناء «أول مركز تدريب لها على الحرب الإلكترونية يهدف لإمداد الجيش بالنظريات والتدريبات الخاصة بخوض الحروب عبر الأقمار الاصطناعية وتكنولوجيا الإنترنت».
وحول هذا الموضوع بالذات يتحدث قائد قوات الدفاع الماليزية محمد زاهيدي زين الدين بأن «المركز الذي شيد بتكلفة 680 ألف دولار بولاية سيلانجور قد بدأ في مباشره عمله وانه سيستخدم كمركز تدريب لأفراد للقوات البرية والبحرية والجوية».
وعند حديثنا عن الحروب الإلكترونية، فليس المقصود بها هنا عمليات القرصنة وإسقاط المواقع أو السيطرة عليها، فهي أخطر بكثير من ذلك وأوسع نطاقا. إنها وكما تقول عنها حنان سليمان، تشمل بالإضافة إلى كل ذلك «عمليات التجسس الإلكتروني، وقيام الدول بمراقبة قدرات منافسيها وسرقة معلومات سرية في مقدمتها الأسرار العسكرية. وتعتبر الصين مثالا صارخا في هذا المجال، التي حسب البنتاغون، عملت على تنظيم وحدات متخصصة في الكمبيوتر قادرة على إصابة الأجهزة بفيروسات تصيب ملفاتها ومحتوياتها وشبكاتها».
ويعتقد الكثير منا أن الحروب الإلكترونية هي البنت الشرعية للتطورات التقنية التي رافقت صناعة الإنترنت، لكن حقيقة الأمر، وكما ورد في موقع «موسوعة المقاتل»، فإن «جذورها تعود لما قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فقد بدأت الاتصالات بين أرجاء العالم المختلفة باستخدام المواصلات السلكية من طريق المورس (جهاز البرق الصوتي) في العام 1837».
والحروب الإلكترونية كما تعرفها الموسوعة الإلكترونية «ويكيبديا» هي «استعمال الطّيف الكهرومغناطيسي لمنع استعمال هذه الوسيلة من قبل الخصم، في حين يتم استخدامها من جانب القوات الصديقة بأكثر الطرق فعالية. للحرب الإلكترونية ثلاثة عناصر رئيسية: الدعم الإلكتروني، والهجوم الإلكتروني، والحماية الإلكترونية».
لكنها وكما تعرفها موسوعة المقاتل، أوسع نطاقا من ذلك التعريف بكثير، إذ إنها «مجموعة الإجراءات الإلكترونية المتضمنة استخدام بعض النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة في استطلاع الإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر من نظم، العدو ووسائله ومعداته الإلكترونية المختلفة مع الاستخدام المتعمد للطاقة الكهرومغناطيسية في التأثير على هذه النظم والوسائل؛ لمنع العدو، أو حرمانه، أو تقليل استغلاله للمجال الكهرومغناطيسي، فضلا عن حماية الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من النظم والوسائل الإلكترونية الصديقة من استطلاع العدو لها، أو التأثير عليها».
وبعيد جدا عن الأهداف العامة التي تسعى لتحقيقها الحروب التقليدية، من تدمير لقدرات العدو العسكرية، أو احتلال بعض أراضيه، تتمحورأهداف الحروب الإلكترونية حول أهداف استراتيجية محددة تسعى فيما تسعى إليه إلى تعطيل عمل الأجهزة الإلكترونية في بلد معين من أجل وقف الاتصالات كافة. ويمكن أن يتم ذلك من خلال توجيه ضربات مباشرة إلى الأهداف الإلكترونية لمحطات الاتصال اللاسلكي، واللاسلكي بما فيها تلك العاملة بتقنيات وبرتوكولات الإنترنت، على أن يشمل ذلك إن أمكن، شل قوات العدو العسكرية المستفيدة من وسائل الاتصالات تلك.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2369 - الأحد 01 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الاول 1430هـ