يكاد المرء أن يضرب رأسه بالحائط غضبا وهو يرصد البيانات والتصريحات وتشكيل اللجان العربية للدفاع بحمية غير مفهومة عن الطاغية صدام حسين واعتباره رئيسا شرعيا منتخبا للعراق فاز في "آخر استفتاء بنسبة 001 في المئة"، ولم يسأل أحد من هؤلاء السياسيين والمثقفين والكتاب والحقوقيين نفسه ولو مرة واحدة، لماذا لم تحم "السيد الرئيس المنتخب" هذه النسبة الـ "001 في المئة" من أصوات الشعب العراقي عندما غزت القوة العسكرية الأميركية والمتحالفة معها بغداد وسقوط النظام السريع، أو عندما كان الزعيم في حفرة في قاع الأرض؟ الحماسة التي يبديها هؤلاء في تشكيل اللجان وإصدار البيانات "الطنانة الرنانة والنباحة" للدفاع عن طاغية لا أحد يجهل جرائمه ووحشيته، بقدر ما تشجع على بقاء الحكام السيئين من أمثاله مددا أطول في الحكم، هي لم تؤثر قيد أنملة في أن يكون مصيره شأنا عراقيا ومحاكمته عراقية، والأحكام عليه عراقية وتنفيذها عراقيا، وأن حقبة صدام قد انتهت بشرورها ومقابرها الجماعية، وإن زايدت "شبكة البصرة" الإلكترونية التابعة لحزب البعث وكاتبها "صائن عهدالله" الذي أعطاه بحريني احتمال "أن يكون عزت إبراهيم، حيث المعلومات دقيقة" كما زعم في مبالغات التقرير المنشور في السادس والعشرين من شهر مايو/ أيار الماضي، حين قال: "إن حزب البعث منح زخما أعظم ووسعت قاعدته الجماهيرية بصورة لم يسبق لها مثيل حتى حينما كان في السلطة، من خلال الكفاح المسلح الذي اجتذب ملايين أخرى لدعمه وعشرات الآلاف للانخراط في صفوفه، خصوصا أولئك الذين لم يكونوا بعثيين قبل الغزو". كيف يمكن أن نفهم وبالمنطق: إنه قبل الغزو الأميركي للعراق كانت النسبة 001 في المئة مؤيدة للنظام و"لم تحمه"، وبعد الاحتلال توسعت القاعدة بانخراط ملايين أخرى و"لم تحرره"؟ وهذا يعني أن النسبة أصبحت 002 في المئة إن لم تكن أكثر "حسب التعبير الرقمي، وليس المجازي" والنتيجة: فلا الـ 001 في المئة منعت الغزو، ولا الـ 002 في المئة زائد الجماعات الإرهابية التي تتقن التفجيرات والاختطاف وقطع الرؤوس استطاعت أن تزحزح الاحتلال وتبيد أقل من صفر في المئة على جهة الشمال وإعادة القائد صدام حسين من جديد لنشر "العدل" في ربوع العراق على طريقته الخاصة؟! ما يلاحظ من ردة فعل بعض الكتاب والسياسيين والمثقفين والحقوقيين العرب، وكذلك "الهيئة الشعبية العربية لنصرة العراق" التي تشكلت حديثا في بيروت، على محاكمة صدام ووضعه في قفص الاتهام، كانت متشنجة، فتارة تعتبر المحكمة غير شرعية، لعدم "شرعية الحكومة العراقية" على رغم نقل السيادة للعراقيين بإشراف وبقرار دولي، وتارة أخرى يربطون محاكمته بمحاكمة المجرم شارون ومن ثم كيل الشتائم للأميركيين لكيلهم بمكيالين، بينما كان على هؤلاء تقديم اعتذار للشعب العراقي على حقبة الصمت المخجل الذي استمر طيلة ثلاثة عقود، حين كان العراقيون يتعرضون للاضطهاد والقتل الجماعي والمجازر والمقابر الجماعية خارج نطاق القضاء ومن دون محاكمات، لا أن يخلقوا الأعذار للطاغية وزمرته ويحولونه إلى بطل قومي أو "مجاهد أكبر" لنصرة العرب والإسلام والمسلمين! قد نتفهم مواقف العرب من أصحاب حزب البعث العربي الاشتراكي ومرارتهم من الهزيمة التي تلقوها في بغداد، ونتفهم منطلقهم الوطني ونضالهم ضد الأميركان والصهيونية، واتهامهم قادة العراق الجديد بالعمالة للمحتل وما إلى ذلك من مفردات جاهزة، لكن بصراحة، الدفاع عن طاغية العراق المخلوع ليس في صالح هذه الأحزاب والتنظيمات العربية لأنها بذلك تولد شعورا مخيفا عند الجماهير العربية من وصول إحداها إلى السلطة وتحت عمامة كل حزب من هؤلاء صدام، يكرر تجربته الدكتاتورية ووحشيته ضد شعبه، وعندها تنتفي صدقيتهم في أي عمل ديمقراطي يدعونه.
* كاتب بحريني
العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ